تصعيد في الجبهة الشمالية: إسرائيل تدرس توسيع عملياتها العسكرية في سوريا
تشهد الحدود الشمالية لإسرائيل حالة من التوتر المتزايد، حيث أفادت تقارير صدرت في الأيام الأخيرة أن القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب تدرس بجدية إمكانية توسيع نطاق عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية. يأتي هذا التطور في سياق ما تصفه إسرائيل بأنه تهديد متنامٍ جراء التموضع العسكري الإيراني والميليشيات الموالية له، بالإضافة إلى حوادث أمنية وقعت مؤخراً بالقرب من هضبة الجولان المحتلة، مما يثير مخاوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع نطاقاً.

خلفية الصراع المستمر
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، نظرت إسرائيل بقلق بالغ إلى الفوضى المستمرة على حدودها الشمالية الشرقية. وقد تحول هذا القلق إلى سياسة عسكرية نشطة تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: منع إيران من إنشاء بنية تحتية عسكرية دائمة في سوريا، ووقف عمليات نقل الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ الدقيقة، إلى حليفها اللبناني حزب الله. وفي إطار هذه الاستراتيجية، التي تُعرف إعلامياً باسم "الحرب بين الحروب"، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على مدار العقد الماضي، مستهدفة مواقع عسكرية، ومخازن أسلحة، وقوافل يعتقد أنها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والميليشيات التابعة لهما.
تتركز هذه العمليات بشكل كبير في جنوب سوريا ووسطها، بما في ذلك محيط العاصمة دمشق، وتستهدف أيضاً البنية التحتية اللوجستية مثل المطارات والموانئ التي قد تستخدمها طهران لنقل العتاد. ورغم أن إسرائيل نادراً ما تعلن مسؤوليتها بشكل رسمي عن هجمات محددة، إلا أن مسؤوليها يؤكدون باستمرار على أنهم لن يسمحوا بتحول سوريا إلى جبهة جديدة ضد إسرائيل.
التطورات الأخيرة والمحفزات
جاءت المداولات الإسرائيلية الأخيرة بشأن توسيع العمليات العسكرية في أعقاب عدد من الحوادث الأمنية. ففي الأسابيع القليلة الماضية، تم رصد إطلاق طائرات مسيرة وقذائف صاروخية من الأراضي السورية باتجاه الجولان، وهي هجمات ربطتها مصادر استخباراتية بفصائل مدعومة من إيران. ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن أضرار كبيرة، إلا أنها اعتبرت في تل أبيب تجاوزاً للخطوط الحمراء ومحاولة لتغيير قواعد الاشتباك القائمة.
رداً على ذلك، كثف الجيش الإسرائيلي من غاراته، حيث استهدفت ضربات دقيقة مواقع يُشتبه في أنها منصات إطلاق ومنشآت قيادة وسيطرة في محافظتي درعا والقنيطرة. ويرى المحللون أن النقاش الدائر حالياً في إسرائيل لا يتعلق فقط بزيادة وتيرة الغارات، بل بإمكانية استهداف أصول تابعة للجيش السوري بشكل مباشر إذا ما ثبت تواطؤه أو تسهيله لنشاطات الميليشيات الإيرانية، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً في طبيعة التدخل الإسرائيلي.
الموقف الإسرائيلي الرسمي
أكد مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع، أن إسرائيل تحتفظ بحقها الكامل في الدفاع عن أمنها وسيادتها. وفي تصريحات متكررة، شدد رئيس الأركان الإسرائيلي على أن الجيش مستعد لجميع السيناريوهات المحتملة لمنع ما وصفه بـ "العدوان الإيراني" عبر سوريا. وتتضمن الخيارات المطروحة على الطاولة ما يلي:
- زيادة عدد الأهداف ونوعيتها لتشمل قادة ميدانيين ومواقع أكثر حساسية.
- توسيع النطاق الجغرافي للعمليات لتغطي مناطق جديدة في سوريا.
- استهداف مباشر لوحدات من الجيش السوري في حال قدمت دعماً لوجستياً أو عملياتياً للمجموعات الموالية لإيران.
- تكثيف الجهود الاستخباراتية والسيبرانية لتعطيل الشبكات الإيرانية في المنطقة.
الرسالة التي تسعى تل أبيب لإيصالها واضحة: إن قواعد اللعبة التي سادت في السنوات الماضية قد تتغير إذا استمرت إيران في استغلال الساحة السورية لتهديد أمن إسرائيل.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
كعادتها، أدانت الحكومة السورية بشدة الغارات الإسرائيلية ووصفتها بأنها "عدوان غاشم" وانتهاك لسيادة البلاد والقانون الدولي، مؤكدة على حقها في الرد. من جانبها، تنفي إيران أن يكون لوجودها في سوريا طابع عسكري هجومي، وتؤكد أنه يقتصر على تقديم الاستشارة بطلب من دمشق. أما حلفاؤها، فيهددون بأن أي تصعيد إسرائيلي سيقابل برد مناسب.
على الصعيد الدولي، يبقى الموقف الروسي عاملاً حاسماً. فبينما تحافظ موسكو على آلية التنسيق ومنع الاحتكاك مع إسرائيل في الأجواء السورية، فقد عبرت في عدة مناسبات عن قلقها من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى زعزعة استقرار سوريا. وتدعو روسيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس، في محاولة للحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها الاستراتيجية مع كل من دمشق وطهران وتفاهماتها الأمنية مع تل أبيب. في المقابل، تؤيد الولايات المتحدة بشكل عام حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإيرانية.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية هذه التطورات في أنها تحمل في طياتها خطر حدوث خطأ في الحسابات قد يشعل مواجهة عسكرية واسعة النطاق. فتوسيع إسرائيل لعملياتها قد يدفع إيران وحلفاءها إلى الرد بشكل أقوى وأكثر مباشرة، مما قد يحول "الحرب بين الحروب" إلى حرب مفتوحة. مثل هذا السيناريو لن يقتصر على الجبهة السورية، بل قد يمتد إلى لبنان وغزة، ويجر قوى إقليمية ودولية أخرى إلى الصراع.
إن القرارات التي ستتخذ في تل أبيب خلال الفترة القادمة لن تحدد فقط مستقبل العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، بل سترسم أيضاً معالم التوازن الاستراتيجي الهش في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.




