تعليق عمل جميع محطات الطاقة الحرارية في أوكرانيا: تداعيات الهجمات على البنية التحتية
تُواجه أوكرانيا أزمة طاقة غير مسبوقة، حيث أُجبرت البلاد على تعليق العمل في العديد من، بل ما يُعادل مجمل، محطات الطاقة الحرارية الخاصة بها، مما أدى إلى انخفاض كبير في قدرة توليد الكهرباء. يأتي هذا التطور في سياق الهجمات الروسية المتواصلة والمكثفة التي تستهدف البنية التحتية الحيوية للطاقة في أوكرانيا، والتي تصاعدت بشكل خاص خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصًا في مواسم البرد.

خلفية الأزمة: الاعتماد على الطاقة والتصعيد العسكري
قبل الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير 2022، كان مزيج الطاقة في أوكرانيا يعتمد بشكل كبير على محطات الطاقة النووية والحرارية، إلى جانب مصادر الطاقة الكهرومائية والمتجددة. لعبت محطات الطاقة الحرارية دوراً محورياً في توفير الحمل الأساسي للشبكة وضمان استقرارها، خاصة خلال فترات الذروة واستهلاك الطاقة العالي. ومع بداية الحرب، أصبحت البنية التحتية للطاقة هدفاً استراتيجياً للقوات الروسية، بهدف إضعاف قدرة أوكرانيا على الصمود، وتقويض اقتصادها، وخلق ظروف معيشية صعبة للسكان، خصوصاً خلال فصل الشتاء.
تداعيات الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة
شهدت أوكرانيا منذ خريف عام 2022 موجات متكررة من الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار التي استهدفت منشآتها للطاقة. وقد ركزت هذه الهجمات بشكل خاص على محطات الطاقة الحرارية والكهرومائية، ومحطات المحولات الفرعية التي تعد شريان الحياة للشبكة الكهربائية. أسفرت الضربات المتواصلة عن أضرار جسيمة، بل وتدمير كامل في بعض الأحيان، للمكونات الحيوية لهذه المحطات، مثل التوربينات والمولدات والمحولات، مما أدى إلى خسارة فادحة في قدرة التوليد.
وفقًا لتقارير صدرت في ربيع 2024، فقدت بعض أكبر شركات الطاقة الأوكرانية، مثل شركة DTEK الخاصة، أكثر من 80% من قدرتها على توليد الطاقة الحرارية نتيجة للأضرار. أُجبرت العديد من المحطات على التوقف عن العمل إما بسبب الأضرار المباشرة، أو للحماية من هجمات محتملة أخرى، أو نتيجة لعدم القدرة على إجراء الإصلاحات اللازمة تحت التهديد المستمر، أو لعدم توفر الوقود. لم يعد الأمر مقتصرًا على استهداف شبكات التوزيع، بل تحول التركيز الروسي إلى تدمير منشآت التوليد نفسها، مما يترك البلاد مع خيارات محدودة لتوفير الكهرباء.
الأثر على الشبكة الكهربائية والمواطنين
تسبب تعليق العمل في محطات الطاقة الحرارية في أوكرانيا في تحديات هائلة للشبكة الكهربائية الوطنية. فمع تراجع قدرة التوليد بشكل كبير، اضطرت شركة Ukrenergo، مشغل الشبكة الحكومي، إلى تطبيق إجراءات تقنين للكهرباء وانقطاعات طارئة في جميع أنحاء البلاد للتحكم في استهلاك الطاقة والحفاظ على توازن الشبكة. أدت هذه الانقطاعات إلى حرمان ملايين الأوكرانيين من الكهرباء والتدفئة، خاصة خلال فصول الشتاء القاسية، مما أثر بشكل مباشر على جودة حياتهم وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية. كما عانت الصناعة والأعمال من خسائر فادحة بسبب توقف الإنتاج وانقطاع الإمدادات.
جهود أوكرانيا والاستجابة الدولية
في مواجهة هذا التحدي الكبير، تبذل أوكرانيا جهودًا مضنية لإصلاح وإعادة بناء ما يمكن إصلاحه من منشآت الطاقة، لكن وتيرة التدمير تفوق غالبًا قدرة الإصلاح. كما ركزت كييف على تعزيز دفاعاتها الجوية لحماية البنية التحتية المتبقية. طالبت أوكرانيا المجتمع الدولي مراراً بتقديم المساعدة، ليس فقط في توفير معدات الطاقة والمساعدات المالية، ولكن أيضاً في أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة التي يمكنها اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية. وقد استجاب العديد من الشركاء الدوليين بتقديم الدعم، إلا أن حجم الأضرار وحجم الاحتياجات لا يزال هائلاً. وتدرس أوكرانيا أيضًا استراتيجيات طويلة الأجل لتعزيز استقلاليتها في مجال الطاقة، بما في ذلك تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة قدرات الطاقة النووية، وإنشاء نظام طاقة أكثر لامركزية ليصبح أقل عرضة للهجمات واسعة النطاق.
الأهمية الاستراتيجية والمعيشية للوضع الراهن
يعكس تعليق عمل محطات الطاقة الحرارية في أوكرانيا حجم الهجمات الروسية والتداعيات المدمرة للحرب على الحياة المدنية. لا يتعلق الأمر فقط بفقدان الكهرباء، بل بتحدي قدرة الدولة على أداء وظائفها الأساسية وحماية شعبها. يُبرز هذا الوضع أهمية دعم أوكرانيا المستمر لضمان قدرتها على الصمود، ليس فقط عسكريًا، ولكن أيضًا على المستوى الإنساني والمدني، ويُشكل تذكيرًا صارخًا بالتكاليف البشرية والمادية الباهظة للنزاع.


