شباك الصيد الفرنسية: سلاح أوكرانيا المبتكر في مواجهة المسيرات الروسية
في تطور لافت يعكس حجم الإبداع الذي تفرضه ضرورات الحرب، تحولت شباك صيد قديمة من سواحل بريتاني الفرنسية إلى خط دفاعي غير متوقع في أوكرانيا. فبدلاً من أن ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات البحرية، وجدت هذه الشباك القوية استخداماً جديداً كأداة فعالة ومنخفضة التكلفة لمواجهة خطر الطائرات الروسية بدون طيار، أو ما يُعرف بالمسيرات الانتحارية.
خلفية الأزمة: تهديد المسيرات الروسية
منذ تصاعد وتيرة النزاع، اعتمدت روسيا بشكل مكثف على استخدام المسيرات الانتحارية، خاصة طائرات شاهد-136 إيرانية الصنع، لضرب أهداف استراتيجية وبنية تحتية حيوية في عمق الأراضي الأوكرانية. تتميز هذه المسيرات بقدرتها على التحليق على ارتفاعات منخفضة وبسرعات بطيئة نسبياً، مما يجعل اعتراضها بالصواريخ المضادة للطائرات مكلفاً وغير عملي في بعض الأحيان، خاصة عند استخدامها في أسراب كبيرة. وقد استهدفت هذه الهجمات بشكل متكرر محطات الطاقة والمستشفيات والمباني السكنية، مما تسبب في أضرار جسيمة وزاد من الضغط على أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية.
مبادرة مبتكرة من السواحل الفرنسية
انطلقت الفكرة من مبادرة إنسانية قادتها جمعيات فرنسية-أوكرانية، أبرزها جمعية "شباك الحرية" (Filets de la Liberté)، بالتعاون مع صيادين في منطقة بريتاني الساحلية بفرنسا. كان الصيادون في السابق يضطرون لدفع تكاليف باهظة للتخلص من شباك الصيد العملاقة والمستعملة، المصنوعة من مواد شديدة المتانة مثل النايلون والبولي إيثيلين. ومن خلال هذه المبادرة، التي بدأت تكتسب زخماً كبيراً خلال الأشهر الماضية من عام 2024، يتم جمع هذه الشباك وتنظيفها وتجهيزها قبل إرسالها في قوافل مساعدات إلى أوكرانيا. وبهذا، تحولت المشكلة البيئية والتكلفة المادية على الصيادين إلى حل دفاعي مبتكر.
آلية العمل والتأثير الميداني
تعتمد فعالية هذه الشباك على بساطة الفكرة وقوة المواد المصنعة منها. يتم نصبها كحواجز عمودية ضخمة حول المواقع الحساسة التي يُراد حمايتها، مثل:
- محطات توليد الكهرباء والمحولات الرئيسية.
- المستشفيات والمنشآت المدنية الحيوية.
- المواقع العسكرية والمخازن اللوجستية.
عندما تصطدم طائرة مسيرة بهذه الشباك، فإنها إما أن تعلق بها وتتعطل، أو أن قوة الاصطدام تؤدي إلى تفجير شحنتها الناسفة قبل أن تصل إلى هدفها ببضعة أمتار. هذه المسافة الإضافية كفيلة بتقليل الأضرار الناتجة عن الانفجار بشكل كبير، مما يوفر حماية فعالة بتكلفة لا تقارن أبداً بتكلفة صاروخ دفاع جوي واحد. وقد أثبتت هذه التقنية البسيطة نجاحها في الميدان، حيث ساهمت في حماية العديد من المنشآت الحيوية من الدمار.
أبعاد إضافية: تعاون بيئي وإنساني
لا يقتصر نجاح هذه المبادرة على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ليشمل أبعاداً إنسانية وبيئية مهمة. فهي تمثل نموذجاً فريداً للتعاون المدني الدولي، حيث يقدم مواطنون فرنسيون دعماً ملموساً ومباشراً لأوكرانيا. كما أنها تعد مثالاً عملياً على إعادة التدوير الإبداعي، بتحويل نفايات صناعية كانت تشكل عبئاً على البيئة البحرية إلى أداة تنقذ الأرواح وتحمي البنية التحتية. وتبرز هذه القصة كيف يمكن للحلول البسيطة والمبتكرة أن تحدث تأثيراً كبيراً في مواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها الحروب الحديثة.



