تفاقم أزمة الجنيه السوداني مع استمرار صعود الدولار في السوق الموازية
يشهد الجنيه السوداني انهياراً متسارعاً وغير مسبوق في قيمته أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى، خاصة في السوق الموازية (غير الرسمية)، مما يعمق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الصراع المسلح الذي أدى إلى شلل شبه تام في القطاعات الإنتاجية وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي.

خلفية الأزمة الاقتصادية
يعاني الاقتصاد السوداني من تحديات هيكلية مزمنة تفاقمت بشكل حاد بعد اندلاع الصراع العسكري في أبريل 2023. أدى النزاع إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية الصناعية والزراعية والخدمية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، مما أوقف عجلة الإنتاج والتصدير بشكل كلي تقريباً. وقد أدى هذا الوضع إلى فقدان الدولة لمصادرها الرئيسية من النقد الأجنبي، وعلى رأسها صادرات الذهب والصمغ العربي والمنتجات الزراعية، في وقت تزايد فيه الطلب على العملة الصعبة لتمويل المجهود الحربي واستيراد السلع الأساسية الشحيحة.
أحدث التطورات في أسعار الصرف
وصلت أسعار الصرف في السوق الموازية إلى مستويات تاريخية خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تختلف الأسعار بشكل طفيف بين المدن الرئيسية مثل بورتسودان وكسلا ومدني. تشير التقارير الواردة من السوق غير الرسمي إلى أن سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد قد تجاوز حاجز 2500 جنيه سوداني، وفي بعض التعاملات يصل إلى أرقام أعلى، في حين أن السعر الرسمي في عدد محدود من البنوك العاملة لا يزال أقل بكثير، مما يخلق فجوة هائلة تعكس حالة الشلل في القطاع المصرفي الرسمي وعدم قدرته على تلبية الطلب.
الأسباب الرئيسية وراء الانهيار
يمكن تلخيص العوامل الرئيسية التي تدفع قيمة الجنيه السوداني إلى هذا التدهور المستمر في عدة نقاط حيوية:
- تأثير الصراع المباشر: أدت الحرب إلى توقف النشاط الاقتصادي وتدمير الأصول الإنتاجية، مما قلص المعروض من السلع والخدمات وزاد من الاعتماد على الاستيراد.
- شح النقد الأجنبي: تسبب انهيار قطاع التصدير في نضوب احتياطيات البلاد من العملات الصعبة، مما جعل من الصعب على البنك المركزي التدخل لتحقيق استقرار سعر الصرف.
- زيادة الطلب على الدولار: يتزايد الطلب على الدولار لأغراض متعددة، منها تمويل استيراد الوقود والغذاء والدواء، بالإضافة إلى سعي المواطنين والتجار لتحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية للحفاظ على قيمتها من التآكل.
- السياسات النقدية: ساهمت السياسات النقدية غير الموجهة، بما في ذلك ما يتردد عن طباعة عملة جديدة بدون غطاء إنتاجي لتمويل العمليات العسكرية، في زيادة الكتلة النقدية وتغذية معدلات التضخم الجامحة.
التداعيات على الاقتصاد والمواطنين
إن الانهيار المتواصل للجنيه السوداني له تداعيات وخيمة على جميع جوانب الحياة في السودان. أدى الارتفاع الصاروخي في تكلفة الواردات إلى موجة غلاء فاحش طالت جميع السلع الأساسية والخدمات، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين بشكل حاد وجعل ملايين الأسر غير قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية. كما يواجه قطاع الأعمال صعوبات جمة في استيراد المواد الخام والمعدات، مما يهدد بتوقف ما تبقى من أنشطة تجارية وصناعية ويفاقم من أزمة البطالة والفقر في البلاد.





