تفاقم أزمة الطيران في أمريكا: إلغاء آلاف الرحلات لليوم الثاني بسبب الإغلاق الحكومي
شهد قطاع الطيران المدني في الولايات المتحدة اضطرابات واسعة النطاق أدت إلى إلغاء وتأخير آلاف الرحلات الجوية على مدار أيام متتالية، في أزمة بلغت ذروتها أواخر شهر يناير 2019. كانت هذه الفوضى نتيجة مباشرة للإغلاق الحكومي الجزئي الأطول في تاريخ البلاد، مما تسبب في حالة من الشلل أثرت على المسافرين وشركات الطيران على حد سواء في مختلف أنحاء البلاد.

خلفية الأزمة: الإغلاق الحكومي وتداعياته
تعود جذور المشكلة إلى الإغلاق الحكومي الجزئي الذي بدأ في أواخر عام 2018 بسبب خلاف سياسي حاد حول تمويل جدار حدودي. أدى هذا المأزق إلى توقف تمويل العديد من الوكالات الفيدرالية، مما أجبر مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، بمن فيهم العاملون في قطاعات حيوية، على العمل دون أجر أو الحصول على إجازة إجبارية.
كان من بين الأكثر تأثراً موظفون أساسيون في منظومة الطيران، وعلى رأسهم مراقبو الحركة الجوية التابعون لإدارة الطيران الفيدرالية (FAA) وموظفو الأمن في إدارة أمن النقل (TSA). مع امتداد الإغلاق لأكثر من شهر، تفاقم الضغط المالي على هؤلاء الموظفين، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في نسبة الغياب عن العمل تحت ذريعة المرض.
تصاعد الاضطرابات في المطارات الرئيسية
وصل الوضع إلى نقطة حرجة عندما أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية عن نقص حاد في عدد الموظفين في مراكز المراقبة الجوية الحيوية، خاصة تلك التي تدير المجال الجوي المزدحم في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. أدى هذا النقص إلى تباطؤ كبير في قدرة النظام على إدارة حركة الطائرات بكفاءة وأمان.
ونتيجة لذلك، اضطرت الإدارة في أحد أيام الجمعة، وتحديداً في 25 يناير 2019، إلى فرض وقف مؤقت لجميع الرحلات الجوية المتجهة إلى مطار لاغوارديا (LGA) في نيويورك، أحد أكثر مطارات البلاد ازدحامًا. كما تم تطبيق برامج تأخير أرضية أثرت على مطارات كبرى أخرى مثل مطار نيوآرك ليبرتي الدولي (EWR) ومطار فيلادلفيا الدولي (PHL).
كان لهذه الإجراءات تأثير فوري ومتتالٍ على شبكة الطيران الوطنية بأكملها. اضطرت شركات الطيران إلى إلغاء ما يزيد عن ألف رحلة يوميًا على مدار يومين متتاليين للتعامل مع القدرة الاستيعابية المنخفضة للمجال الجوي، بينما عانت عشرات الآلاف من الرحلات الأخرى من تأخيرات طويلة، مما خلق حالة من الفوضى العارمة.
التأثير الواسع على المسافرين وشركات الطيران
تحولت هذه الاضطرابات إلى كابوس حقيقي للمسافرين، حيث وجد الآلاف أنفسهم عالقين في المطارات، يواجهون إلغاء رحلاتهم في اللحظات الأخيرة وصعوبات بالغة في إعادة الحجز. ورغم أن التأثير كان أشد في محاور الطيران الرئيسية على الساحل الشرقي، إلا أن تداعياته امتدت لتشمل جميع أنحاء البلاد بسبب الطبيعة المترابطة لشبكة الطيران.
من جانبها، واجهت شركات الطيران تحديات تشغيلية ومالية جسيمة. لم تقتصر الخسائر على التكاليف المباشرة لإلغاء الرحلات، بل شملت أيضًا التعقيدات اللوجستية المتعلقة بإعادة توجيه الطائرات، وإدارة جداول أطقم العمل، وتسكين الركاب المتضررين. لقد كشفت هذه الحادثة عن مدى هشاشة نظام الطيران الوطني وتأثره بالصدمات الخارجية مثل الخلافات السياسية.
ردود الفعل والحلول المؤقتة
كانت الرابطة الوطنية لمراقبي الحركة الجوية (NATCA) قد حذرت لأسابيع من المخاطر المتزايدة الناجمة عن الإغلاق. وأكدت النقابة أنه على الرغم من الحفاظ على سلامة الأجواء، فإن الضغط النفسي والإرهاق الذي يعاني منه المراقبون الذين يعملون دون أجر يمثل وضعًا غير مستدام وقد يهدد هوامش الأمان على المدى الطويل.
أصبح انهيار نظام الطيران رمزًا قويًا للعواقب الحقيقية للمواجهة السياسية في واشنطن. ساهمت التغطية الإعلامية المكثفة للفوضى في المطارات في زيادة الضغط الشعبي على المشرعين والإدارة للتوصل إلى حل. ويعتقد العديد من المحللين أن التأثير المباشر على بنية تحتية وطنية حيوية كان نقطة تحول أساسية سرّعت من وتيرة المفاوضات لإنهاء الإغلاق.
وبالفعل، بعد وقت قصير من وصول الاضطرابات إلى ذروتها، تم الإعلان عن اتفاق لتمويل الحكومة مؤقتًا لمدة ثلاثة أسابيع، مما سمح بإنهاء الأزمة الفورية. أتاح هذا الاتفاق للموظفين الفيدراليين، بمن فيهم مراقبو الحركة الجوية، الحصول على رواتبهم المتأخرة، مما أدى إلى عودة العمل إلى طبيعته في المطارات واستقرار حركة الطيران مرة أخرى.




