توتر تجاري متجدد بين أمريكا والصين بسبب فول الصويا وزيت الطهي
شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين فصلاً جديداً من التوترات المعقدة، حيث برزت منتجات زراعية وصناعية مثل فول الصويا وزيت الطهي المستخدم كأدوات ضغط متبادلة في قلب النزاع. كشفت تقارير إعلامية خلال فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عن دراسة واشنطن فرض قيود على واردات زيت الطهي المعاد استخدامه من الصين، وذلك كرد فعل مباشر على قرار بكين بوقف مشترياتها من فول الصويا الأمريكي، مما عمّق الخلاف وأظهر مدى تشابك المصالح الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم.
خلفية النزاع التجاري الزراعي
تعود جذور هذا التصعيد إلى الحرب التجارية الأوسع التي بدأت في عام 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على سلع صينية بمليارات الدولارات بهدف معالجة ما اعتبرته ممارسات تجارية غير عادلة. وردت الصين بفرض تعريفات انتقامية على مجموعة من السلع الأمريكية، كان أبرزها وأكثرها تأثيراً المنتجات الزراعية، وفي مقدمتها فول الصويا. نظراً لكون الصين أكبر مستورد لفول الصويا في العالم، شكّل قرارها بتقليص الواردات من الولايات المتحدة ضربة قوية للمزارعين الأمريكيين، خاصة في ولايات حزام الذرة التي تعد قاعدة سياسية مهمة.
تصعيد الخلاف: فول الصويا مقابل زيت الطهي
كانت خطوة بكين بوقف شراء فول الصويا الأمريكي استراتيجية ومدروسة، حيث استهدفت قطاعاً حيوياً في الاقتصاد الأمريكي ومجموعة ديموغرافية مؤثرة سياسياً. أدى هذا القرار إلى انخفاض حاد في أسعار فول الصويا في الولايات المتحدة وتسبب في خسائر مالية كبيرة للمزارعين، مما دفع الحكومة الأمريكية إلى تقديم برامج مساعدات طارئة بمليارات الدولارات للتخفيف من الأضرار.
في المقابل، برز الرد الأمريكي المحتمل الذي تم تداوله في ذلك الوقت، والمتمثل في استهداف واردات زيت الطهي المستخدم (UCO) من الصين. وتكمن أهمية هذا المنتج في استخدامه كمادة خام لإنتاج الوقود الحيوي (الديزل الحيوي) في الولايات المتحدة. ومن خلال تقييد وارداته، كانت الإدارة الأمريكية تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
- حماية المنتجين المحليين: كان يُنظر إلى واردات زيت الطهي الصيني منخفضة التكلفة على أنها تهديد للمنتجين الأمريكيين للوقود الحيوي، الذين يعتمدون بشكل كبير على زيت فول الصويا المحلي كمادة أولية. وبالتالي، فإن فرض قيود من شأنه أن يدعم أسعار زيت الصويا المحلي ويقدم دعماً غير مباشر للمزارعين المتضررين.
- ممارسة ضغط مضاد: شكل هذا الإجراء رسالة واضحة لبكين بأن واشنطن مستعدة لتوسيع نطاق الحرب التجارية لتشمل قطاعات جديدة وغير متوقعة، مما يوضح الطبيعة المتبادلة للنزاع القائم على مبدأ "ضربة بضربة".
الأبعاد الاقتصادية والسياسية للصراع
لم يقتصر تأثير هذا النزاع على المزارعين أو منتجي الوقود الحيوي، بل امتد ليشمل سلاسل التوريد العالمية وأسعار السلع الأساسية. اضطرت الصين للبحث عن موردين بديلين لفول الصويا، مثل البرازيل والأرجنتين، مما أدى إلى تغييرات في أنماط التجارة العالمية. وعلى الصعيد السياسي، عكس النزاع استراتيجية كل دولة في استخدام التجارة كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية، حيث حاولت واشنطن حماية قاعدتها الصناعية والزراعية، بينما استغلت بكين اعتمادها على السوق الصينية الضخمة للضغط على القطاعات الأمريكية الحساسة.
التطورات اللاحقة ومستقبل العلاقات التجارية
في وقت لاحق، تم التوصل إلى "اتفاق المرحلة الأولى" التجاري بين البلدين في أوائل عام 2020، والذي تضمن تعهدات من الصين بزيادة مشترياتها من السلع الزراعية الأمريكية بشكل كبير. ورغم أن هذا الاتفاق ساهم في تهدئة التوترات مؤقتاً وأعاد فتح السوق الصينية أمام فول الصويا الأمريكي، إلا أن العديد من القضايا الهيكلية الأساسية في العلاقات التجارية بين البلدين لا تزال دون حل. يبقى النزاع حول فول الصويا وزيت الطهي مثالاً حياً على كيفية تحول السلع اليومية إلى ساحة معركة في الصراعات الاقتصادية العالمية، ويُظهر أن التوترات التجارية بين واشنطن وبكين قابلة للتجدد في أي قطاع طالما استمرت المنافسة الاستراتيجية بينهما.





