جائزة نوبل في عصر العولمة: هل انتهى زمن العالم العبقري المنفرد؟
مع إعلان جوائز نوبل سنوياً، يتجدد الجدل حول مدى مواكبة أعرق جائزة علمية في العالم لطبيعة البحث العلمي الحديث. ففي حين تأسست الجائزة لتكريم الإنجازات الفردية الاستثنائية، يرى كثيرون أن نموذج "العالم العبقري" الذي يعمل بمفرده لم يعد يعكس واقع الاكتشافات الكبرى التي أصبحت نتاج تعاون دولي واسع النطاق يضم مئات بل آلاف الباحثين.

خلفية تاريخية: جائزة تحتفي بالفردانية
عندما وضع ألفريد نوبل أسس جائزته في وصيته عام 1895، كان المشهد العلمي مختلفاً تماماً. كانت الاكتشافات الكبرى غالباً ما ترتبط بأسماء لامعة تعمل في مختبرات صغيرة نسبياً. وبناءً على ذلك، نصّت قوانين الجائزة على عدم منحها لأكثر من ثلاثة أشخاص في أي مجال. هذا المبدأ، المعروف بـ "قاعدة الثلاثة"، كان منطقياً في وقته لكنه أصبح اليوم محور الانتقادات الأساسية الموجهة للجائزة.
تحديات العصر الحديث: العلم كجهد جماعي
تغيرت طبيعة العلوم بشكل جذري خلال القرن الماضي. فالمشاريع البحثية الضخمة، مثل تلك التي تُجرى في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) أو مشاريع رصد الأمواج الثقالية (LIGO)، تتطلب تضافر جهود فرق دولية ضخمة وميزانيات تقدر بمليارات الدولارات. وفي هذا السياق، يصبح اختيار ثلاثة فائزين فقط مهمة صعبة ومثيرة للجدل، إذ إنها تتجاهل مساهمات عدد لا يحصى من العلماء والمهندسين والفنيين الذين كانوا جزءاً لا يتجزأ من الإنجاز.
حالات جدلية بارزة
شهدت السنوات الأخيرة أمثلة واضحة على هذا التوتر بين قواعد الجائزة وطبيعة العلم المعاصر:
- جائزة الفيزياء 2013: مُنحت لـ بيتر هيغز وفرانسوا إنغليرت لتنبؤهما النظري بوجود "بوزون هيغز". إلا أن تأكيد هذا التنبؤ جاء نتيجة عمل أكثر من 3000 عالم في مصادم الهادرونات الكبير في CERN، والذين لم يتم تكريمهم بشكل مباشر.
- جائزة الفيزياء 2017: ذهبت إلى ثلاثة من مؤسسي مرصد LIGO الذي رصد الأمواج الثقالية لأول مرة. ورغم أهمية دورهم، فإن هذا الاكتشاف كان ثمرة جهد تعاوني ضم أكثر من 1000 باحث من مختلف أنحاء العالم.
- جائزة الكيمياء 2020: كُرّمت إيمانويل شاربنتييه وجينيفر دودنا لتطويرهما تقنية التحرير الجيني "كريسبر". وعلى الرغم من إنجازهما المحوري، أشار العديد من العلماء إلى وجود مساهمين رئيسيين آخرين في هذا المجال تم استبعادهم.
أبعاد أخرى للنقد: التنوع والتأخير في التكريم
إلى جانب قضية العمل الجماعي، تواجه الجائزة انتقادات تتعلق بغياب التنوع بين الفائزين، حيث هيمن الرجال من أوروبا وأمريكا الشمالية على قوائم التكريم تاريخياً. كما أن هناك ظاهرة تُعرف بـ"تأثير ماتيلدا"، حيث تُنسب اكتشافات العالمات إلى زملائهن الرجال. علاوة على ذلك، غالباً ما تُمنح الجائزة بعد عقود من تحقيق الاكتشاف لضمان ثبوت أهميته، وهو ما يعني أن العديد من العلماء يموتون قبل أن يحظوا بفرصة التكريم، حيث لا تُمنح الجائزة للموتى بموجب قوانينها.
مستقبل الجائزة: هل من تغيير في الأفق؟
تدرك مؤسسة نوبل هذه التحديات، وقد بدأت في السنوات الأخيرة بمحاولة الإشارة إلى الطبيعة التعاونية للاكتشافات في بياناتها الصحفية. فعلى سبيل المثال، عند منح جائزة LIGO، تم تكريم الفريق بأكمله بشكل غير مباشر من خلال جوائز أخرى مثل "جائزة الاختراق العلمي". ومع ذلك، تظل القواعد الأساسية التي أرساها ألفريد نوبل ثابتة ويصعب تغييرها قانونياً. يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت جائزة نوبل ستتمكن من التكيف مع واقع العلم في القرن الحادي والعشرين، أم أنها ستتحول تدريجياً إلى تكريم رمزي يخلّد فكرة عفا عليها الزمن عن "العبقرية الفردية".





