مشروع "تراث مصر الرقمي": مبادرة وطنية لتوثيق الذاكرة الأثرية ودعم البحث العلمي
في خطوة طموحة نحو الحفاظ على الموروث الحضاري العريق، تعمل الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، على تنفيذ مشروع "تراث مصر الرقمي". يهدف هذا المشروع الاستراتيجي إلى بناء أرشيف رقمي شامل للآثار المصرية، بما يضمن حمايتها للأجيال القادمة وإتاحتها للباحثين والمهتمين حول العالم باستخدام أحدث التقنيات الرقمية. يأتي المشروع كأحد الركائز الأساسية ضمن استراتيجية "مصر الرقمية" الأوسع، والتي تسعى إلى تحقيق تحول رقمي كامل في مختلف قطاعات الدولة.

خلفية المشروع وأهدافه الرئيسية
انطلق المشروع بتوجيهات من الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إدراكًا لأهمية المخزون الحضاري والتاريخي لمصر وضرورة توثيقه وحمايته من عوامل الزمن والمخاطر البيئية. تتجاوز أهداف المشروع مجرد الحفظ، لتشمل تعزيز البحث العلمي وتنشيط السياحة الثقافية، ورفع الوعي بالتراث المصري على الصعيدين المحلي والعالمي. يسعى المشروع إلى تحقيق التكامل بين التكنولوجيا والتراث، مما يفتح آفاقًا جديدة لدراسة الحضارة المصرية وفهمها.
آليات التنفيذ والتقنيات المستخدمة
يعتمد مشروع "تراث مصر الرقمي" على توظيف مجموعة من التقنيات المتقدمة لضمان دقة التوثيق وجودته. وتشمل هذه التقنيات ما يلي:
- المسح ثلاثي الأبعاد (3D Scanning): يتم استخدام ماسحات ليزرية عالية الدقة لإنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد للقطع الأثرية والمواقع التاريخية، مما يسمح بتوثيق تفاصيلها الهندسية والشكلية بدقة متناهية.
- التصوير الفوتوغرامتري: تُستخدم هذه التقنية لالتقاط مئات أو آلاف الصور عالية الجودة من زوايا مختلفة للقطعة الأثرية، ومن ثم دمجها برمجيًا لإنتاج نموذج ثلاثي الأبعاد غني بالألوان والتفاصيل السطحية.
- الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR): تتيح هذه التقنيات تطوير تجارب تفاعلية غامرة، مثل تنظيم جولات افتراضية داخل المتاحف والمقابر المغلقة أمام الجمهور، أو عرض معلومات إضافية عن القطع الأثرية عند توجيه كاميرا الهاتف الذكي إليها.
- بناء قواعد بيانات مركزية: يتم تجميع كل المواد الرقمية في قاعدة بيانات مركزية ومؤمنة، تكون بمثابة مكتبة رقمية للآثار المصرية، مع تزويدها ببيانات وصفية شاملة لتسهيل عمليات البحث والدراسة.
التأثير المتوقع على البحث العلمي والسياحة
يُتوقع أن يُحدث المشروع نقلة نوعية في عدة مجالات. فعلى مستوى البحث العلمي، سيوفر المشروع للباحثين والأكاديميين حول العالم إمكانية الوصول عن بعد إلى نسخ رقمية طبق الأصل من القطع الأثرية، مما يسهل إجراء الدراسات المقارنة والتحليلات المعمقة دون الحاجة إلى التعامل المباشر مع القطع الأصلية، الأمر الذي يساهم في الحفاظ عليها. كما أنه يتيح للدارسين فحص تفاصيل دقيقة قد لا تكون مرئية بالعين المجردة. أما في قطاع السياحة، فإن المحتوى الرقمي المتاح، مثل الجولات الافتراضية، يساهم في الترويج للمقاصد الأثرية المصرية وجذب شريحة جديدة من السياح المهتمين بالثقافة، بالإضافة إلى إثراء تجربة الزوار في المواقع والمتاحف الفعلية.
التطورات الأخيرة والخطوات المستقبلية
حقق المشروع بالفعل تقدمًا ملحوظًا في توثيق مجموعات من مقتنيات متاحف كبرى ورقمنة عدد من المواقع الأثرية الهامة. وأشارت تصريحات رسمية صادرة خلال عام 2023 إلى أن العمل مستمر وفقًا لخطة زمنية محددة ليشمل أكبر قدر ممكن من الكنوز الأثرية المصرية. وتتمثل الخطوات المستقبلية في التوسع في نطاق المشروع ليشمل المزيد من المواقع، وتطوير منصات إلكترونية تتيح هذا المحتوى الرقمي للجمهور العام والباحثين بشكل منظم وسهل الاستخدام، مما يضمن تحقيق أقصى استفادة من هذا الأرشيف الرقمي الضخم.





