جاذبية سري: مئة عام على ميلاد قامة الفن التشكيلي المصري والعربي
تحتفل الأوساط الفنية والثقافية اليوم، السادس من أكتوبر عام 2025، بالذكرى المئوية لميلاد الفنانة التشكيلية المصرية الرائدة جاذبية سري، التي تُعد واحدة من أبرز الأسماء في تاريخ الفن التشكيلي المصري والعربي الحديث. وُلِدت سري في مثل هذا اليوم من عام 1925، وتركت بصمة لا تُمحى على الساحة الفنية عبر مسيرة امتدت لعقود، لتصبح أيقونة للإبداع الفني ورمزاً للحداثة في المنطقة، ومصدر إلهام لأجيال عديدة من الفنانين.
جاذبية سري: نشأة ومسيرة فنية ملهمة
وُلدت جاذبية سري في القاهرة عام 1925، وتلقّت تعليمها الفني في المعهد العالي للفنون الجميلة للبنات، لتتخرج منه عام 1948. لم تكتفِ سري بذلك، بل واصلت صقل موهبتها ومعارفها الفنية من خلال دراسات عليا ومنح فنية في عواصم الفن العالمية مثل باريس وروما ولندن. هذه الرحلات التعليمية أثرت رؤيتها الفنية ووسعت آفاقها، مما مكنها من دمج الأصالة المصرية مع أحدث التيارات الفنية العالمية. كانت سري من الجيل الذي شهد تحولات مجتمعية وفنية كبيرة في مصر بعد منتصف القرن العشرين، وساهمت بفاعلية في تشكيل ملامح الحركة الفنية التشكيلية الحديثة في بلادها.
التطور الفني والأسلوب المميز
شهدت مسيرة جاذبية سري الفنية تطوراً ملحوظاً على مر السنين. بدأت أعمالها الأولى تميل إلى الواقعية، حيث صورت الحياة اليومية المصرية والشخصيات التي تعكس نبض المجتمع. سرعان ما انتقلت إلى مرحلة أكثر تجريداً وتعبيرية، لكنها حافظت على ارتباطها العميق بالواقع المصري وروح الإنسان. تناولت سري في لوحاتها مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك قضايا المرأة، العلاقات الأسرية، المناظر الطبيعية الحضرية والريفية، والصراعات الوجودية للفرد في عالم سريع التغير. تميزت أعمالها باستعمال جريء للألوان القوية، وتركيبات ديناميكية تعكس إحساساً عميقاً بالحركة والحياة. لم تكن لوحاتها مجرد تمثيل للواقع، بل كانت رؤى شخصية معمقة، مزجت فيها التجريد بالرمزية لتقديم رسائل فنية غنية بالمعاني.
تأثيرها العميق وإرثها الفني الدائم
لم تكن جاذبية سري مجرد فنانة موهوبة، بل كانت رائدة وكسّرت الحواجز في مجتمعها، لتثبت قدرة المرأة على الإبداع والتميز في مجال الفن. يُنظر إليها على أنها إحدى أهم الشخصيات التي ساهمت في تحديث الفن التشكيلي المصري والعربي، ودفعه نحو العالمية مع الحفاظ على هويته الأصيلة. حظيت أعمالها بتقدير عالمي واسع، وعرضت في معارض كبرى ومتاحف مرموقة في شتى أنحاء العالم، لتصبح جزءاً من المجموعات الدائمة لمؤسسات فنية عريقة مثل متحف جوجنهايم والمتحف المتروبوليتان للفن في نيويورك، ومتحف تيت مودرن في لندن. إن هذا الاعتراف العالمي يؤكد الأهمية الكونية لرسالتها الفنية. لا يزال إرثها يلهم الأجيال الجديدة من الفنانين، ويُعد شاهداً على روح التجديد والبحث المستمر عن أشكال تعبيرية جديدة.
احتفالات الذكرى المئوية وإعادة تقييم الإرث
مع حلول الذكرى المئوية لميلاد جاذبية سري في عام 2025، تتجه الأنظار نحو إرثها الفني والثقافي. من المتوقع أن تشهد هذه المناسبة تنظيم العديد من الفعاليات الفنية والثقافية، بما في ذلك المعارض الاستعادية التي تستعرض مراحل تطورها الفني، والندوات الأكاديمية التي تناقش عمق وتأثير أعمالها، إضافة إلى إصدارات جديدة تسلط الضوء على جوانب لم تُكتشف بعد في مسيرتها. تمثل هذه الاحتفالات فرصة فريدة لإعادة تقييم مساهماتها الفذة في الفن التشكيلي، وتقديم أعمالها لجيل جديد قد لا يكون على دراية كاملة بعمق تأثيرها. إن إحياء ذكراها ليس مجرد استعراض لتاريخ فنانة عظيمة، بل هو تأكيد على استمرارية حضورها الفني وتجدد رسالتها في عالم الفن المعاصر.
في الختام، تبقى جاذبية سري قامة فنية لا تُمحى من ذاكرة الفن التشكيلي، ليس فقط في مصر والعالم العربي، بل على الصعيد العالمي أيضاً. لقد جسدت أعمالها تحولات مجتمعية وفنية، وتجاوزت حدود الزمان والمكان لتتحدث عن تجارب إنسانية عالمية. إن الاحتفال بمئوية ميلادها هو احتفاء بروح الإبداع المستمرة، وتقدير لإرث فني سيظل يضيء دروب الأجيال القادمة من الفنانين وعشاق الفن.





