تتأهب الأوساط الثقافية في مصر والعالم العربي للاحتفاء بمرور مئة عام على ميلاد الفنانة التشكيلية الرائدة جاذبية سري. تُعد سري، التي وُلدت في 11 ديسمبر 1925، إحدى أبرز الشخصيات التي شكّلت مسار الفن المصري الحديث، حيث امتدت مسيرتها الفنية لأكثر من سبعة عقود. يمثل احتفال مئويتها القادم في ديسمبر 2025 مناسبة ثقافية كبرى لإعادة تقييم إسهاماتها الجليلة وإرثها الفني الدائم.

جاذبية سري: مئوية ريشة ثائرة في الفن المصري الحديث
وُلدت جاذبية سري في القاهرة وأظهرت شغفاً مبكراً بالفنون. تخرجت من المعهد العالي للفنون الجميلة للبنات عام 1948، ثم تابعت دراساتها العليا في باريس وروما ولندن. هذا المسار الأكاديمي الصارم، مقترناً بعينها الثاقبة للملاحظة، وضع الأساس لأسلوبها الفني الفريد والمتميز.
خلفية فنية ومسيرة جاذبية سري
تطوّر أسلوب سري الفني بشكل مستمر على مدار حياتها. في بداياتها، اتسمت أعمالها بالواقعية، خصوصاً في تصويرها للقضايا الاجتماعية ومشاهد الحياة اليومية المصرية. لكنها سرعان ما انتقلت تدريجياً نحو التعبيرية، وصولاً إلى التجريدية في مراحل لاحقة من مسيرتها. عكس هذا التحول الديناميكي المشهد الاجتماعي والسياسي المتغير في مصر خلال منتصف القرن العشرين وحتى أواخره، حيث غالباً ما كانت لوحاتها بمثابة سجل بصري للهوية الوطنية والصراعات الإنسانية وروح المجتمع المتغير.
الفنانة الثائرة وتأثيرها على الفن المصري
إن وصفها بـ "ريشة امرأة ثائرة" يجسد ببراعة جوهر روح سري الفنية. تحدّت أعمالها باستمرار المعايير التقليدية، سواء من الناحية الجمالية أو الموضوعية. استكشفت بشجاعة مواضيع الحرية، هوية المرأة، العدالة الاجتماعية، ومكانة الفرد ضمن التجربة الجماعية. إن استخدامها الجريء للألوان، وتراكيبها الديناميكية، والقوة العاطفية الخام الكامنة في أعمالها، كلها عوامل ميزتها كفنانة مبتكرة سبقت عصرها.
وإلى جانب عملها في مرسمها، كانت جاذبية سري أيضاً مربية متفانية، حيث درّست في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان. ألهمت أجيالاً من الفنانين، وشجعت بيئة من الاستكشاف الفني والتفكير النقدي. وبصفتها فنانة حققت شهرة عالمية في عصرها، كسرت حواجز كبيرة، ومهّدت الطريق لنساء أخريات في مجال الفنون.
إرث عالمي واحتفالات المئوية
حظيت أعمال سري باعتراف دولي واسع، حيث عُرضت لوحاتها في معارض ومتاحف مرموقة حول العالم، منها متحف غوغنهايم في نيويورك وتيت مودرن في لندن. نالت العديد من الجوائز والتكريمات طوال مسيرتها، مما عزز مكانتها كقوة فنية عالمية. تُحتفى بفنها لجاذبيته الكونية بينما يظل متجذراً بعمق في سياقه المصري.
إن احتفالية مئوية ميلادها في ديسمبر 2025 تتجاوز مجرد ذكرى، فهي لحظة حاسمة للمؤسسات الثقافية وعشاق الفن للتعمق في إنتاجها الفني الواسع. وتهدف المعارض والاستعادات والنقاشات الأكاديمية المخطط لها إلى تسليط الضوء على بصمتها التي لا تُمحى في تاريخ الفن وإعادة تقديم روايتها القوية لجمهور جديد. يؤكد هذا الاحتفاء على الأهمية المستمرة لرؤيتها ومساهمتها العميقة في تشكيل هوية فنية مصرية حديثة ومميزة.
وبينما تستعد مصر لتكريم مئوية جاذبية سري، تُعد هذه المناسبة تذكيراً قوياً بإرثها كفنانة تجرأت على التحدي والابتكار وعكست روح أمة من خلال ضربات فرشاتها النابضة بالحياة والمعبرة.



