جامعة أسيوط تناقش دور تكنولوجيا التدفق الخلوي في تشخيص الأورام
شهدت جامعة أسيوط، ممثلة في معهد جنوب مصر للأورام، تنظيم ورشة عمل متخصصة في أواخر أكتوبر 2023، ركزت على الدور الحيوي لتكنولوجيا التدفق الخلوي في تشخيص الأورام. جاءت هذه الورشة تحت رعاية الدكتور أحمد المنشاوي، رئيس الجامعة، وأكدت على التزام المؤسسة الأكاديمية بالجمع بين البحث العلمي المتطور والتطبيقات السريرية العملية. حملت الورشة عنوان "استخدام تكنولوجيا التدفق الخلوي كحلقة وصل بين البحث العلمي وتشخيص الأمراض"، وجمعت نخبة من الخبراء والممارسين لمناقشة التأثير العميق لهذه التقنية في المجال الطبي.

الخلفية والأهمية العلمية لتكنولوجيا التدفق الخلوي
تُعد تكنولوجيا التدفق الخلوي (Flow Cytometry) أداة مختبرية قوية تُستخدم للكشف عن الخلايا وتحديد هويتها وعدّها بدقة. تعتمد هذه التقنية على تمرير الخلايا المعلقة في تيار سائل عبر شعاع ليزر. تتيح إشارات الضوء المتناثر والفلورسنت المنبعثة من الأجسام المضادة المُلصقة بالخلايا جمع معلومات مفصلة حول حجم الخلية وشكلها وخصائصها الداخلية والسطحية. تبرز أهمية هذه التقنية في مجال تشخيص الأورام لقدرتها على توفير تحليل سريع وكمي ومتعدد المعايير للخلايا الفردية. وهذا أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب، منها:
- التشخيص المبكر: القدرة على تحديد الخلايا السرطانية حتى عند وجودها بأعداد قليلة جدًا، مما يسهم في بدء العلاج مبكرًا.
- التصنيف الدقيق: التمييز بين الأنواع المختلفة للأورام، خاصة في الأورام الخبيثة الدموية مثل اللوكيميا والليمفوما، حيث قد لا تكون الفروق المورفولوجية وحدها كافية.
- تحديد المآل: تقييم مدى عدوانية المرض وتقديم معلومات قيمة حول مسار المرض المحتمل.
- مراقبة الاستجابة للعلاج: تتبع التغيرات في مجموعات الخلايا السرطانية أثناء العلاج وبعده لتقييم فعالية العلاج والكشف عن الأمراض المتبقية.
- الحد الأدنى من المرض المتبقي (MRD): تطبيق عالي الحساسية للكشف عن مستويات منخفضة جدًا من الخلايا السرطانية بعد العلاج، وهو أمر حاسم في التنبؤ بالانتكاس ومنعه.
تفاصيل ورشة العمل وأهدافها
هدفت ورشة العمل التي نظمها معهد جنوب مصر للأورام إلى تعزيز فهم المشاركين لمبادئ تكنولوجيا التدفق الخلوي وتطبيقاتها المتنوعة. كما سعت إلى سد الفجوة بين البحث الأكاديمي والاحتياجات التشخيصية السريرية، وتقديم تدريب عملي للمشاركين. استهدفت الورشة الأطباء واختصاصيي علم الأمراض وفنيي المختبرات الطبية والباحثين والطلاب المهتمين بالتقنيات التشخيصية المتقدمة. تضمنت الجلسات مناقشات حول الأسس النظرية للتقنية، وعروضًا عملية، ودراسات حالة واقعية. وغطت الموضوعات التي تمت مناقشتها مبادئ التدفق الخلوي الأساسية، وإعداد العينات، وتصميم اللوحات التشخيصية للأورام المختلفة، واكتساب البيانات وتحليلها، وتفسير النتائج في سيناريوهات سريرية متنوعة، بالإضافة إلى جوانب مراقبة الجودة. وقد أكد الدكتور مصطفى الشرقاوي، عميد معهد جنوب مصر للأورام، على دور المعهد الريادي كمركز متميز لرعاية مرضى السرطان والبحث العلمي في صعيد مصر. كما ألقت الدكتورة ولاء عبد الحكيم، منسقة الورشة، الضوء على التركيز العملي للورشة وأهميتها في تطوير المهارات السريرية.
تطبيقات تكنولوجيا التدفق الخلوي في مجالات متعددة
تتعدد تطبيقات تكنولوجيا التدفق الخلوي، وتبرز بشكل خاص في مجالات الأمراض الخبيثة الدموية:
- الأورام الدموية: تُعد هذه التقنية متفوقة بشكل خاص في تشخيص وتصنيف اللوكيميا الحادة (AML, ALL) واللوكيميا المزمنة، بالإضافة إلى تشخيص وتصنيف أنواع الليمفوما (مثل ليمفوما هودجكن وغير هودجكن، وليمفوما الخلايا البائية والتائية). كما أنها لا غنى عنها في مراقبة الحد الأدنى من المرض المتبقي (MRD) لدى مرضى اللوكيميا والليمفوما، وهو مؤشر قوي للانتكاس.
- الأورام الصلبة: على الرغم من أن استخدامها أقل انتشارًا مقارنةً بالأورام الدموية، إلا أن لديها تطبيقات قيمة في الأورام الصلبة، بما في ذلك تحديد الخلايا السرطانية في السوائل الاستسقائية (السائل الجنبي والبريتوني)، والكشف عن النقائل الدقيقة في نخاع العظم أو العقد الليمفاوية، وتحليل عدم التجانس الورمي وتحديد مجموعات خلوية معينة داخل الأورام الصلبة (مثل الخلايا الجذعية السرطانية والخلايا المناعية المتسللة).
- نقص المناعة: تُستخدم في تشخيص اضطرابات نقص المناعة الأولية والمكتسبة عن طريق قياس مجموعات الخلايا الليمفاوية الفرعية.
- أبحاث الخلايا الجذعية: تُسهم في تحليل وفرز مجموعات الخلايا الجذعية لأغراض بحثية وعلاجية.
الرؤية المستقبلية لجامعة أسيوط
تسعى جامعة أسيوط، من خلال معهد جنوب مصر للأورام، إلى التحديث المستمر لقدراتها التشخيصية والعلاجية. وتُمثل ورشة العمل هذه جزءًا من جهد مستمر لتعزيز ثقافة الممارسة السريرية القائمة على البحث العلمي. قد تتضمن الخطط المستقبلية للجامعة توسيع استخدام التقنيات المتقدمة مثل التدفق الخلوي متعدد الألوان، وإنشاء برامج تدريب متخصصة، والتعاون مع مراكز بحثية وطنية ودولية. يتمثل الهدف الأسمى في توفير أحدث خدمات التشخيص والعلاج لسكان صعيد مصر، والمساهمة بفعالية في تقدم أبحاث السرطان على المستوى الإقليمي والدولي. تُعزز مثل هذه المبادرات مكانة جامعة أسيوط كمركز رائد في التعليم الطبي والبحث العلمي وتقديم الرعاية الصحية المتكاملة.
في الختام، مثّلت ورشة العمل التي استضافتها جامعة أسيوط منصة حيوية لتعزيز فهم وتطبيق تكنولوجيا التدفق الخلوي في تشخيص الأورام. وقد عززت هذه المبادرة التزام الجامعة ومعهد جنوب مصر للأورام بالاستفادة من الأدوات العلمية الحديثة لتحسين نتائج المرضى، وسد الفجوة بين البحث والرعاية السريرية، وترسيخ مكانة مصر في مجال التشخيص الطبي المتقدم.





