جدل الدعم الأمريكي لأوكرانيا: انقسام في واشنطن ومخاوف في كييف
تواجه المساعدات العسكرية والاقتصادية الحيوية التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا مستقبلاً غامضاً، حيث أدى انقسام سياسي حاد داخل الكونغرس الأمريكي إلى تعليق حزمة دعم جديدة بقيمة تتجاوز 60 مليار دولار. هذا الجمود السياسي في واشنطن يثير قلقاً متزايداً في كييف ولدى الحلفاء الأوروبيين، ويهدد بتقويض قدرة أوكرانيا على مواصلة الدفاع عن أراضيها في مواجهة الهجوم الروسي المستمر.
خلفية الأزمة: حزمة مساعدات عالقة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى مقترح قدمته إدارة الرئيس جو بايدن في أواخر عام 2023، يطالب بتخصيص تمويل إضافي لدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، إلى جانب تعزيز أمن الحدود الأمريكية. ورغم أن مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، أقرّ الحزمة بدعم من الحزبين في فبراير 2024، إلا أنها تواجه عقبة كبيرة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
يرفض رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، وعدد من أعضاء حزبه، طرح الحزمة للتصويت، مشترطين أولاً تمرير تشريعات أكثر صرامة لمعالجة أزمة الهجرة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. ويعكس هذا الموقف انقساماً عميقاً داخل الحزب الجمهوري بين الجناح التقليدي الذي يدعم مساعدة أوكرانيا كضرورة للأمن القومي، والجناح الأكثر انعزالية الذي يرى أن الأولوية يجب أن تكون للقضايا الداخلية.
الانقسام السياسي وتأثيراته
تتعدد أسباب التردد الأمريكي، وتتجاوز الخلافات حول سياسات الحدود لتشمل ديناميكيات سياسية أوسع، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. يرى المؤيدون لاستمرار الدعم أن التخلي عن أوكرانيا سيمثل انتصاراً استراتيجياً لروسيا ويشجعها على مزيد من التوسع، مما يهدد استقرار أوروبا والمصالح الأمريكية بشكل مباشر.
في المقابل، يطرح المعارضون عدة حجج، منها:
- ضرورة تركيز الموارد المالية على التحديات الداخلية مثل الاقتصاد وأمن الحدود.
 - غياب استراتيجية واضحة لنهاية الحرب، مما يثير مخاوف من التزام أمريكي مفتوح ومكلف.
 - الدعوة إلى أن يتحمل الحلفاء الأوروبيون عبئاً أكبر في دعم أوكرانيا.
 
التداعيات على أرض المعركة
بدأت آثار تعليق المساعدات تظهر بوضوح على الجبهات في أوكرانيا. حذّر مسؤولون في البنتاغون والبيت الأبيض مراراً من أن القوات الأوكرانية تعاني من نقص حاد في الذخيرة، خاصة قذائف المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي. وقد أدى هذا النقص إلى تقنين استخدام الذخائر، مما منح القوات الروسية تفوقاً ميدانياً ملموساً في الأشهر الأخيرة.
يعتبر العديد من المحللين أن سقوط مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في فبراير 2024 كان نتيجة مباشرة لنقص الدعم العسكري الغربي، وهو ما أكده القادة الأوكرانيون. وتخشى كييف من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى انهيار خطوطها الدفاعية في مناطق أخرى، مما يسمح لروسيا بتحقيق مكاسب كبيرة.
الموقف الأوكراني وردود الفعل الدولية
من جانبه، كثّف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مناشداته للكونغرس الأمريكي، مؤكداً أن بقاء بلاده يعتمد بشكل مباشر على إقرار هذه المساعدات. وأوضح في تصريحات متعددة أن التأخير يكلف أرواحاً يومياً ويضع مستقبل الدولة الأوكرانية على المحك. وفي الوقت نفسه، زادت الدول الأوروبية من دعمها العسكري والمالي لكييف، لكنها تؤكد أن مساعداتها لا يمكن أن تعوض الدعم الأمريكي الضخم، خاصة في الجانب العسكري. ويسود قلق بين الحلفاء من أن أي تراجع أمريكي قد يغير مسار الحرب بشكل جذري ويقوض الأمن الأوروبي برمته.





