جدل واسع يحيط بقرار رئيس لبنان منح الجنسية لرئيس الفيفا جياني إنفانتينو
أثار قرار صدر مؤخراً عن الرئيس اللبناني جوزاف عون بمنح الجنسية اللبنانية لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو عاصفة من الجدل والانتقادات الشديدة في الأوساط اللبنانية، سياسية واجتماعية على حد سواء. وقد أعاد هذا القرار، الذي تزامن مع استمرار المطالبات الحقوقية، تسليط الضوء على قانون الجنسية اللبناني القائم، والذي يُعتبر تمييزياً ضد المرأة اللبنانية، إذ يحرمها من حق منح جنسيتها لأطفالها أو زوجها الأجنبي.

خلفية القرار وقانون الجنسية اللبناني
يستند قانون الجنسية اللبناني الحالي، الصادر عام 1925، على مبدأ "حق الدم" من جهة الأب، مما يعني أن اللبناني هو كل من ولد لأب لبناني. ويحرم هذا القانون، بشكله الحالي، المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي من حق نقل جنسيتها لأطفالها، بخلاف الرجل اللبناني الذي يتمتع بهذا الحق بشكل كامل. وتؤكد منظمات حقوق المرأة والعديد من المنظمات المدنية أن هذا التمييز ينتهك أبسط مبادئ المساواة والعدالة، ويخلق تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة لآلاف العائلات اللبنانية.
لطالما كانت قضية تعديل قانون الجنسية محط نقاشات ومطالبات مستمرة على مدى عقود، لكنها غالباً ما تصطدم بتحفظات سياسية وديموغرافية، لا سيما المخاوف المتعلقة بالتوازنات الطائفية في البلاد. وقد شهدت الساحات اللبنانية العديد من التحركات والاعتصامات المطالبة بتعديل القانون لضمان حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لعائلتها.
تفاصيل منح الجنسية لإنفانتينو
صدر قرار منح الجنسية لإنفانتينو بموجب مرسوم رئاسي، وهو حق دستوري للرئيس يتيح له منح الجنسية لأشخاص يرى أنهم يستحقونها لأسباب معينة، غالباً ما تكون خدمات جليلة للدولة أو مكانة بارزة. وفي حالة إنفانتينو، لم يتم الإعلان عن الأسباب الرسمية بشكل مفصل، إلا أن بعض المصادر أشارت إلى أن القرار جاء تقديراً لمكانته الدولية كشخصية رياضية بارزة، وتأكيداً على العلاقة الطيبة بين لبنان والاتحاد الدولي لكرة القدم. وقد تم تسليم الجواز اللبناني لإنفانتينو في حفل خاص أقيم في قصر بعبدا الرئاسي، في مطلع الشهر الجاري، بحضور شخصيات رسمية.
ردود الفعل والانتقادات الواسعة
لم يمر قرار منح الجنسية لإنفانتينو دون رد فعل، حيث تسبب في موجة استياء عارمة، وتركزت الانتقادات حول عدة محاور رئيسية:
- معايير مزدوجة: اعتبر النشطاء الحقوقيون والمنظمات النسائية أن القرار يمثل ازدواجية فاضحة في المعايير. ففي حين تُحرم المرأة اللبنانية من منح جنسيتها لأبنائها الذين يعيشون ويتعلمون في لبنان، تُمنح الجنسية لشخص أجنبي "بجرة قلم" دون مبررات واضحة للعامة.
- إعادة إشعال الجدل: أعاد القرار قضية قانون الجنسية إلى صدارة النقاش العام بقوة غير مسبوقة، مجدداً الضغط على الطبقة السياسية لمعالجة هذا الملف العالق.
- الانتقادات السياسية: أعرب عدد من النواب والسياسيين عن استيائهم من توقيت القرار ومضمونه، واصفين إياه بأنه غير حساس للظروف الاجتماعية والسياسية الراهنة في البلاد، ومسيء لمكانة الرئاسة.
- السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي: انتشرت موجة واسعة من السخرية والتهكم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قارن المستخدمون بين سهولة حصول إنفانتينو على الجنسية وبين معاناة آلاف العائلات اللبنانية.
الضغط من أجل التعديل والآفاق المستقبلية
في أعقاب هذا الجدل، تصاعدت دعوات التغيير بشكل كبير. دعت منظمات مثل "التجمع النسائي الديمقراطي" و"حملة جنسيتي حقي" إلى تصعيد التحركات والضغط على مجلس النواب والحكومة لإقرار التعديلات الضرورية على قانون الجنسية. ويرى المراقبون أن هذا الحدث قد يكون نقطة تحول تزيد من زخم المطالب، وربما تدفع نحو مراجعة جادة للقانون الذي لطالما شكّل وصمة عار في سجل حقوق الإنسان بلبنان.
يظل السؤال مطروحاً حول ما إذا كان هذا الجدل سينجح في تحقيق تقدم ملموس على صعيد تعديل قانون الجنسية، أم أنه سيبقى مجرد حدث عابر في سجل الأزمات اللبنانية المتلاحقة. إلا أن المؤكد هو أن قرار منح الجنسية لـإنفانتينو قد فجّر مجدداً ملفاً حساساً، وكشف عن تناقضات عميقة في المنظومة القانونية والاجتماعية اللبنانية.




