وزير الدفاع الإسرائيلي يؤكد: لا هدوء في لبنان قبل تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل
تتواصل التحذيرات الإسرائيلية للبنان على وقع التصعيد العسكري المستمر على الحدود بين البلدين منذ أشهر، حيث تشدد القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل على أن عودة الهدوء إلى جنوب لبنان مرهونة بشكل كامل بضمان أمن المستوطنات والبلدات في شمال إسرائيل. وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في مناسبات عدة خلال الفترة الأخيرة، بأن بلاده تفضل الحل الدبلوماسي لإبعاد قوات حزب الله عن الحدود، لكنها لن تتردد في استخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الهدف إذا لزم الأمر، وهو ما يضع المنطقة على حافة مواجهة واسعة النطاق.

خلفية التصعيد المستمر
اندلعت المواجهات الحالية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في 8 أكتوبر 2023، غداة الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، أعلن حزب الله عن فتح "جبهة مساندة" لقطاع غزة، وبدأ في تنفيذ هجمات شبه يومية تستهدف مواقع عسكرية وأجهزة استخباراتية إسرائيلية على طول الحدود. وردت إسرائيل بقصف جوي ومدفعي مكثف استهدف مواقع للحزب وبنية تحتية تابعة له في جنوب لبنان، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، معظمهم من مقاتلي الحزب، بالإضافة إلى مدنيين.
أدى هذا التصعيد، الذي يعد الأعنف منذ حرب عام 2006، إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان على جانبي الحدود. فقد قامت السلطات الإسرائيلية بإجلاء أكثر من 80 ألف مواطن من البلدات الشمالية، بينما نزح عدد مماثل من القرى والبلدات في جنوب لبنان، مما خلق أزمة إنسانية وضغوطاً اقتصادية واجتماعية كبيرة على الحكومتين.
الموقف الإسرائيلي وشروطه
يرتكز الموقف الإسرائيلي على مطلب أساسي وهو ضرورة تغيير الواقع الأمني على الحدود الشمالية لضمان عودة سكانها إلى منازلهم بأمان. وتعتبر إسرائيل أن وجود قوات النخبة التابعة لحزب الله، والمعروفة باسم "قوة الرضوان"، على مقربة من الحدود يشكل تهديداً مباشراً وغير مقبول. وبناءً على ذلك، تطالب إسرائيل بالتطبيق الكامل لـقرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي أنهى حرب عام 2006 وينص على وجوب خلو المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من أي قوات مسلحة باستثناء الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
وقد أكد المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم الوزير غالانت، أن صبر إسرائيل بدأ ينفد، وأن "الساعة الرملية" للحل الدبلوماسي تقترب من نهايتها. وتتضمن التهديدات الإسرائيلية إمكانية شن عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى إبعاد حزب الله بالقوة عن الحدود، مع تحذيرات من أن مثل هذه الحرب ستكون مدمرة للبنان.
الدور الدبلوماسي والمخاوف الدولية
في موازاة التصعيد الميداني، تبذل عدة أطراف دولية وإقليمية جهوداً دبلوماسية مكثفة لاحتواء الموقف ومنع الانزلاق إلى حرب شاملة. يقود هذه الجهود المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكستين، بالإضافة إلى فرنسا وأطراف أخرى. وتركز المقترحات الدبلوماسية المتداولة على عدة نقاط، منها:
- انسحاب تدريجي لمقاتلي حزب الله لمسافة تتراوح بين 7 و 10 كيلومترات من الحدود كمرحلة أولى.
- زيادة أعداد قوات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب لضمان الأمن.
- البدء في محادثات لحل الخلافات الحدودية البرية المتبقية بين لبنان وإسرائيل.
ومع ذلك، يربط حزب الله بشكل قاطع وقف هجماته بوقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، الأمر الذي يعقد من مهمة الوسطاء ويجعل مصير الجبهة الشمالية مرتبطاً بشكل مباشر بتطورات الحرب في غزة. وتخشى القوى الدولية من أن أي خطأ في الحسابات من أي من الطرفين قد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية ذات عواقب وخيمة على استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
التداعيات المحتملة على المنطقة
يحمل استمرار التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في طياته مخاطر جسيمة تتجاوز البلدين. فاندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله، الذي يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة وقدرات قتالية متطورة، من شأنه أن يلحق دماراً هائلاً بالبنية التحتية في لبنان ويسفر عن خسائر بشرية كبيرة، كما سيتسبب في أضرار بالغة في إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الصراع قد يجر أطرافاً إقليمية أخرى، وعلى رأسها إيران، إلى المواجهة، مما يهدد بتوسيع نطاق الحرب ليشمل المنطقة بأسرها. لهذا السبب، يبقى الشرط الإسرائيلي بضمان أمن حدوده الشمالية نقطة محورية في جميع المباحثات، حيث تعتبره إسرائيل شرطاً لا تنازل عنه لعودة الهدوء إلى لبنان والمنطقة.




