حزب الله ينقل موقفه للفاتيكان بشأن رئاسة لبنان والوضع جنوباً
في خطوة دبلوماسية لافتة جرت في مايو 2024، التقى وفد من حزب الله في بيروت بمسؤول فاتيكاني رفيع المستوى، هو رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر، الذي يشغل منصب أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، أي ما يعادل وزير الخارجية. جاء هذا اللقاء ضمن جولة قام بها غالاغر في لبنان شملت مختلف الأطراف السياسية والدينية، بهدف البحث في سبل الخروج من الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد، وعلى رأسها الفراغ الرئاسي المستمر والتوتر العسكري على الحدود الجنوبية.
خلفية الزيارة وسياقها المعقد
تأتي زيارة المبعوث البابوي في ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة الدقة. يعيش لبنان حالة من الشغور في منصب رئاسة الجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر 2022، حيث فشل البرلمان اللبناني مراراً في انتخاب خلف له بسبب الانقسامات السياسية العميقة. وتتزامن هذه الأزمة السياسية مع تصعيد عسكري يومي على الحدود بين لبنان وإسرائيل منذ أكتوبر 2023، والذي اندلع كتداعيات مباشرة للحرب في قطاع غزة. لطالما أبدى الفاتيكان اهتماماً خاصاً بلبنان، معتبراً إياه نموذجاً للتعايش بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر مساعيه الدبلوماسية المستمرة للحفاظ على استقرار هذا النموذج ومنع انهياره.
أبرز محاور اللقاء
تركزت المباحثات بين وفد حزب الله، الذي ترأسه مسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي، والمبعوث الفاتيكاني على الملفات الرئيسية التي تشكل محور الأزمة اللبنانية الراهنة. وبحسب ما رشح من معلومات، تم التطرق إلى النقاط التالية:
- ملف رئاسة الجمهورية: يُعتقد أن وفد حزب الله أكد على أن الاستحقاق الرئاسي هو شأن داخلي لبناني، مشدداً على ضرورة توصل اللبنانيين أنفسهم إلى توافق لاختيار رئيس للبلاد دون إملاءات أو تدخلات خارجية.
- الوضع في جنوب لبنان: عرض الحزب وجهة نظره بشأن المواجهات الدائرة في الجنوب، حيث يربط وقف عملياته العسكرية بوقف شامل لإطلاق النار في غزة، معتبراً أن جبهة الجنوب هي جبهة "إسناد ودفاع".
- دور الفاتيكان: من جهته، نقل رئيس الأساقفة غالاغر رسالة الكرسي الرسولي الداعية إلى ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية لانتظام عمل المؤسسات الدستورية. كما جدد دعوة البابا فرنسيس إلى السلام ونزع فتيل التوتر في المنطقة، مشدداً على أهمية تطبيق القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الأمن 1701، للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان.
أهمية اللقاء ودلالاته
يكتسب هذا الاجتماع أهمية خاصة كونه يعكس استراتيجية الفاتيكان الدبلوماسية القائمة على الحوار مع جميع الأطراف الفاعلة في مناطق النزاع، حتى تلك التي تضعها دول غربية على قوائم الإرهاب. يرى الفاتيكان أن فتح قنوات اتصال مباشرة هو السبيل الوحيد لفهم المواقف ومحاولة التأثير الإيجابي لحل الأزمات. بالنسبة لحزب الله، يوفر اللقاء منصة لإيصال مواقفه ورسائله مباشرة إلى أحد أهم الفاعلين على الساحة الدولية، متجاوزاً بذلك الصور النمطية والحصار الدبلوماسي المفروض عليه من بعض القوى. ويؤكد اللقاء أيضاً على حجم القلق الدولي من استمرار الشلل السياسي في لبنان وانزلاقه نحو حرب أوسع، مما يدفع جهات مختلفة، كالفاتيكان، إلى تكثيف جهودها لاحتواء الموقف. ورغم أن اللقاء لم يسفر عن حلول فورية، إلا أنه يمثل خطوة مهمة في إبقاء باب الحوار مفتوحاً في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان إلى التهدئة والتوافق.




