جريمة بنغازي المروعة: شهادة شاب ليبي تفطر القلوب تكشف تفاصيل جديدة
في أواخر نوفمبر ومطلع ديسمبر من عام 2023، اهتزت مدينة بنغازي الليبية مجددًا على وقع فاجعة إنسانية مؤلمة، إثر اكتشاف عدد من الجثث ملقاة في بئر عميقة بمنطقة الليثي جنوب المدينة. لم تكن هذه الحادثة مجرد اكتشاف لجثث مجهولة الهوية، بل كشفت عن طبقات من الألم والمعاناة التي عاشتها المدينة لسنين، وخصوصًا بعد الشهادة المفجعة التي أدلى بها شاب ليبي يدعى يوسف البراسي، والذي تعرف على أفراد من عائلته بين الضحايا. هذه الشهادة لم تفطر القلوب فحسب، بل أعادت تسليط الضوء على ملف الجرائم المروعة وانتهاكات حقوق الإنسان التي لم تُحاسب عليها أطراف النزاع في ليبيا.

الخلفية التاريخية والسياق
تعتبر بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، من أكثر المناطق التي عانت من ويلات الصراع المسلح الذي أعقب انتفاضة عام 2011. شهدت المدينة معارك ضارية بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ومجموعات مسلحة أخرى، خاصة خلال عملية «الكرامة» وما تلاها من أحداث. تركت هذه المعارك خلفها دمارًا واسعًا، وآلاف القتلى والجرحى، وعددًا غير مسبوق من المفقودين والمُختفين قسرًا. لطالما كانت منطقة الليثي، حيث تم اكتشاف البئر، من أبرز المناطق التي شهدت اشتباكات عنيفة، وتحولت إلى ساحة لكثير من الانتهاكات التي لم تخضع للمساءلة بعد. هذه الانتهاكات شملت عمليات اعتقال عشوائية، وإعدامات ميدانية، واكتشاف مقابر جماعية، مما خلق مناخًا من الإفلات من العقاب رسخ ثقافة الخوف والترويع.
تفاصيل الجريمة واكتشاف الجثث
بدأت القصة مع بلاغات عن انبعاث روائح كريهة من بئر مهجورة في منطقة الليثي، مما دفع الأجهزة الأمنية وفرق الدفاع المدني إلى التحرك. بعد جهود مضنية، تمكنت الفرق من انتشال عدة جثث متحللة من البئر. أظهرت الفحوصات الأولية للطب الشرعي أن بعض الجثث تحمل آثار تعذيب وطلقات نارية، مما يشير إلى أنها لضحايا عمليات إعدام خارج نطاق القانون. أثارت عملية الاكتشاف صدمة في المجتمع الليبي، خاصة بعد أن بدأت عملية التعرف على هويات الضحايا، والتي كشفت عن قصص مروعة لأسر كانت تبحث عن أبنائها المفقودين منذ سنوات.
شهادة الشاب يوسف البراسي
في خضم هذه التطورات المؤلمة، برزت شهادة الشاب يوسف البراسي لتلقي بظلالها على المشهد. روى البراسي، بصوت يملؤه الحزن والألم، كيف تعرف على جثث والده واثنين من إخوته وعمه بين الضحايا المنتشلين من البئر. كان أفراد عائلته قد اختفوا قسرًا قبل سنوات، وظلت عائلته تبحث عنهم وتأمل في عودتهم، لتنتهي رحلة البحث المريرة باكتشافهم في هذه البئر. وصفت شهادة البراسي لحظات التعرف على الجثث المتآكلة، وكيف أن تفاصيل صغيرة كانت كافية لتأكيد هوياتهم. لقد تحولت قصته إلى رمز للألم الذي تعانيه آلاف العائلات الليبية التي فقدت أحباءها في غياهب الصراعات، دون معرفة مصيرهم أو مكان دفنهم. لقد لامست شهادته القلوب وأثارت موجة تعاطف واسعة، وألهبت المطالبات بالعدالة.
ردود الفعل والمطالبات بالعدالة
أثار اكتشاف هذه الجثث وشهادة يوسف البراسي موجة غضب عارمة ومطالبات بالعدالة من مختلف الأوساط. طالبت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، بفتح تحقيق فوري وشفاف ومستقل لكشف ملابسات هذه الجريمة وتقديم الجناة إلى العدالة. كما طالب النشطاء والمحامون بضرورة تفعيل آليات العدالة الانتقالية في ليبيا لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وحماية حقوق الضحايا. أكد كثيرون أن الإفلات من العقاب المستمر على جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا يمثل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة القانون.
الأهمية والتداعيات
تكتسب هذه القضية أهمية بالغة لأنها ليست مجرد جريمة فردية، بل هي جزء من نمط أوسع لانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، والتي تبرز الحاجة الملحة لمعالجة ملف المفقودين والمقابر الجماعية. تعكس هذه الحادثة، وما تلاها من شهادات، العواقب المدمرة للصراع المسلح على النسيج الاجتماعي الليبي. إن كشف الحقيقة وتقديم الجناة للعدالة يعد خطوة أساسية نحو تحقيق المصالحة الوطنية والتعافي. يجب أن تكون هذه القضية دافعًا للمجتمع الدولي للضغط على الأطراف الليبية لضمان المحاسبة وتعزيز سيادة القانون، والعمل على إنهاء دائرة العنف والإفلات من العقاب التي طال أمدها في البلاد. كما أنها تذكير مؤلم بالثمن البشري الباهظ الذي تدفعه العائلات الليبية جراء الصراعات التي لا تتوقف.





