جهود وساطة سعودية وقطرية تتوج باتفاق تهدئة أولي بين أفغانستان وباكistan
في تطور دبلوماسي لافت، نجحت جهود وساطة مشتركة قادتها كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر خلال الأيام القليلة الماضية في التوصل إلى اتفاق تهدئة مبدئي بين أفغانستان وباكستان. يأتي هذا الاتفاق في أعقاب فترة من التوترات الحادة والاشتباكات العسكرية على طول حدودهما المشتركة، ويهدف إلى نزع فتيل الأزمة وفتح الباب أمام حوار أوسع لمعالجة القضايا الخلافية العالقة.

خلفية التوترات المتصاعدة
شهدت العلاقات بين كابول وإسلام آباد تدهوراً ملحوظاً على مدى الأشهر الماضية، على الرغم من الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمعهما. وتكمن جذور الخلاف في عدة قضايا معقدة، أبرزها النزاع حول شرعية خط ديورند الحدودي، وقضية وجود عناصر حركة طالبان باكستان (TTP) على الأراضي الأفغانية. تتهم إسلام آباد حكومة طالبان في أفغانستان بتوفير ملاذات آمنة لمقاتلي الحركة، الذين صعّدوا من هجماتهم الدامية ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل باكستان منذ عودة طالبان الأفغانية إلى السلطة في أغسطس 2021.
وقد أدت هذه الاتهامات إلى سلسلة من الإجراءات التصعيدية، بما في ذلك إغلاق المعابر الحدودية الحيوية، وتبادل إطلاق النار بين قوات البلدين، وبلغت ذروتها في تنفيذ باكستان لضربات جوية نادرة داخل الأراضي الأفغانية، وهو ما اعتبرته كابول انتهاكاً لسيادتها وأدى إلى تفاقم الأزمة بشكل خطير، مهدداً باستقرار المنطقة بأكملها.
تفاصيل الوساطة والاتفاق
استجابةً لهذا التصعيد الخطير، تحركت كل من الرياض والدوحة بشكل منفصل ومنسق عبر قنوات دبلوماسية هادئة مع المسؤولين في كلا البلدين. ركزت جهود الوساطة على إقناع الطرفين بأن الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة ستكون له عواقب وخيمة على شعبيهما وعلى الأمن الإقليمي. وبعد سلسلة من المباحثات المكثفة، تم التوصل إلى تفاهم شفهي لوقف التصعيد بدلاً من اتفاق رسمي ومكتوب، وذلك لمراعاة حساسية الموقف.
يتضمن اتفاق التهدئة الأولي، بحسب مصادر مطلعة، عدة نقاط أساسية تهدف إلى بناء الثقة وخفض التوتر بشكل فوري، ومن أبرزها:
- الوقف الفوري للأعمال العسكرية: التزام الطرفين بوقف إطلاق النار وكافة الأنشطة العسكرية على طول الشريط الحدودي.
- ضبط الخطاب الإعلامي: الامتناع عن إصدار تصريحات رسمية عدائية أو شن حملات إعلامية من شأنها تأجيج الموقف.
- تفعيل آليات التواصل: الاعتماد على قنوات الاتصال المباشرة التي تم إنشاؤها مؤخراً لمعالجة أي حوادث حدودية طارئة قبل تفاقمها.
- التمهيد لحوار شامل: الاتفاق على عقد اجتماعات متابعة لمناقشة القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها ملف حركة طالبان باكستان وسبل التعامل معه.
الأهمية والدلالات
يكتسب هذا الاتفاق أهمية استراتيجية كونه ينجح في إبعاد دولتين جارتين ومهمتين في جنوب آسيا عن حافة مواجهة واسعة النطاق. كما يسلط الضوء على الدور الدبلوماسي المتنامي الذي تلعبه القوى الخليجية، خصوصاً السعودية وقطر، في احتواء النزاعات الإقليمية وإيجاد حلول سلمية لها. ويعكس نجاح الوساطة مدى الثقة التي تحظى بها كل من الرياض والدوحة لدى كل من إسلام آباد وكابول.
على الرغم من هذا التطور الإيجابي، يرى محللون أن الاتفاق لا يزال هشاً وأن استدامته تعتمد بشكل كبير على مدى جدية الطرفين في الالتزام ببنوده. ويبقى التحدي الأكبر هو معالجة القضية الأساسية المتمثلة في نشاط حركة طالبان باكستان، حيث سيكون على حكومة طالبان في أفغانستان اتخاذ خطوات ملموسة وحاسمة لطمأنة جارتها، وهو الأمر الذي سيحدد مسار العلاقات المستقبلية بين البلدين.
الخطوات التالية وردود الفعل
يتركز الاهتمام في المرحلة الحالية على مراقبة مدى صمود التهدئة على الأرض. وتشير المعلومات الدبلوماسية إلى وجود ترتيبات لعقد اجتماع متابعة رفيع المستوى في إحدى العواصم الخليجية خلال الأسابيع المقبلة بهدف البناء على هذا التفاهم الأولي وتحويله إلى اتفاق أكثر استدامة. وقد التزمت جميع الأطراف الأربعة الصمت الرسمي، ولم تصدر أي بيانات علنية تؤكد أو تنفي تفاصيل الاتفاق، مما يعكس الرغبة في إعطاء فرصة لنجاح الجهود بعيداً عن ضغوط الإعلام. وتراقب القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، هذه التطورات عن كثب لأهميتها في الحفاظ على استقرار المنطقة المضطربة.





