حرب المعلومات في الفاشر: كشف حقيقة الصور والمقاطع الزائفة التي ضللت الملايين
تزامناً مع احتدام المعارك العسكرية حول مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، خلال الأشهر الأخيرة، اندلعت حرب موازية في الفضاء الرقمي، حيث انتشرت على نطاق واسع صور ومقاطع فيديو تهدف إلى تضليل الرأي العام. وقد تمكنت العديد من هذه المواد، التي وُصفت لاحقاً بأنها "مفبركة" أو خارج سياقها، من الوصول إلى ملايين المستخدمين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار حالة من البلبلة وصعّب من مهمة التحقق من حقيقة ما يجري على الأرض.

خلفية الصراع الرقمي
تعتبر مدينة الفاشر نقطة استراتيجية محورية في الصراع الدائر في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ومع تركّز الاهتمام المحلي والدولي على مصير المدينة، استغل طرفا النزاع وسائل الإعلام الرقمي كسلاح لنشر الدعاية، وبث أخبار الانتصارات، وتوجيه الاتهامات بارتكاب انتهاكات. وقد أدى هذا الاستقطاب الحاد إلى خلق بيئة خصبة لانتشار المعلومات المضللة، حيث يميل المستخدمون إلى تصديق ومشاركة المحتوى الذي يتوافق مع مواقفهم المسبقة دون تدقيق.
تحليل أبرز الادعاءات المضللة
في أواخر شهر أكتوبر الماضي، وبعد إعلان قوات الدعم السريع عن تحقيق تقدم ميداني في المدينة، انتشرت عدة مواد مرئية بشكل مكثف، لكن التحقيقات التي أجرتها منصات متخصصة في تدقيق الحقائق كشفت زيف العديد منها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- فيديو ترويع أسرة: تصدر مقطع فيديو يظهر أفراداً يرتدون زياً عسكرياً يرهبون أماً وأطفالها، وحصد مشاهدات مليونية خلال ساعات قليلة. تبين لاحقاً بعد التحليل أن المقطع قديم ولا علاقة له بالأحداث الأخيرة في الفاشر، وربما تم تصويره في سياق مختلف تماماً.
- مقاطع انتصارات قديمة: تم تداول مقاطع فيديو تظهر احتفالات وإطلاق نار في الشوارع على أنها توثيق لسيطرة أحد الطرفين على أحياء جديدة في الفاشر. أظهر التحقق من خلال مقارنة المعالم الجغرافية والزمنية أن بعض هذه المقاطع يعود لسنوات سابقة أو لمناطق أخرى في السودان.
- استخدام صور من نزاعات أخرى: تم نشر صور مؤثرة لدمار وضحايا مدنيين ونسبها إلى القصف على الفاشر. كشفت عمليات البحث العكسي عن الصور أن عدداً منها مأخوذ من نزاعات أخرى في المنطقة، مثل الحرب في سوريا أو ليبيا، بهدف تأجيج المشاعر وتشويه صورة الطرف الآخر.
تقنيات كشف الزيف والأهداف
اعتمد الخبراء وفرق التحقق من الأخبار على مجموعة من الأدوات الرقمية لتفكيك هذه الحملات المضللة. وشملت هذه الأدوات التحقق عبر البحث العكسي عن الصور والفيديو، وتحليل البيانات الوصفية للملفات، بالإضافة إلى الاستعانة بخبراء لتحديد أنواع الأسلحة والزي العسكري واللهجات المستخدمة في المقاطع المتداولة. الهدف من وراء هذه الحملات لا يقتصر فقط على الحرب النفسية ضد الخصم، بل يمتد إلى محاولة التأثير على المواقف الدولية وتوجيه اللوم في الأزمة الإنسانية المتفاقمة في دارفور.
الأثر العميق للمعلومات المضللة
إن انتشار المحتوى المفبرك لا يؤثر فقط على التصورات العامة للصراع، بل له عواقب وخيمة على أرض الواقع. فهو يزيد من حدة الاستقطاب المجتمعي، ويغذي خطاب الكراهية، ويقوض الثقة في وسائل الإعلام التقليدية والمصادر الموثوقة للمعلومات. كما يعقد من جهود المنظمات الإنسانية في تقييم الاحتياجات الفعلية وتقديم المساعدة، حيث تخلق الشائعات حالة من الذعر أو تعطي انطباعاً خاطئاً عن الوضع الأمني في مناطق معينة.




