حركة حماس في مرحلة ما بعد الحرب: مسارات التغيير ووطأة الاتهامات بالدموية
تجد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» نفسها على مفترق طرق حاسم في أعقاب الصراع الأخير المدمر في قطاع غزة. فبينما تتصاعد الدعوات الدولية والإقليمية لإعادة هيكلة المشهد السياسي والأمني في القطاع، تواجه الحركة ضغوطًا هائلة من الداخل والخارج لتعريف دورها المستقبلي. هذه المرحلة الحرجة تضع حماس أمام خيارين أساسيين: إما التكيف مع متطلبات المرحلة الجديدة والانفتاح على تغييرات جوهرية في هيكلها وأهدافها، أو التمسك بخطها التقليدي في المقاومة المسلحة، ما قد يزيد من عزلتها ويضاعف من الاتهامات الموجهة إليها بـ«الدموية» وتجاهل المعاناة الإنسانية.

تُعدّ هذه الديناميكية محورية ليس فقط لمستقبل الحركة، بل لمستقبل القضية الفلسطينية برمتها واستقرار المنطقة، خاصة مع تزايد المطالبات بوجود سلطة فلسطينية موحدة ومسؤولة قادرة على إدارة القطاع وإعادة بنائه.
الخلفية التاريخية للحركة وتطورها
تأسست حركة حماس عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى كفرع لجماعة الإخوان المسلمين، وجمعت بين العمل الخيري الاجتماعي والدعوي والمسلح. تطورت الحركة سريعًا لتصبح قوة رئيسية في الساحة الفلسطينية، متخذة من المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي هدفًا رئيسيًا لها. اكتسبت شعبية كبيرة بفضل شبكتها الاجتماعية الواسعة، ومواقفها الصارمة تجاه القضية الفلسطينية.
في عام 2006، حققت حماس فوزًا مفاجئًا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مما أدى إلى صراع على السلطة مع حركة فتح، انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007. منذ ذلك الحين، أصبحت حماس هي القوة الحاكمة الفعلية في القطاع، وواجهت حصارًا إسرائيليًا مصريًا متعدد الأوجه، وخاضت عدة جولات من الصراع مع إسرائيل، كان آخرها الأكثر حدة ودموية.
الصراع الأخير وتداعياته
اندلع الصراع الأخير في قطاع غزة في أكتوبر 2023، بعد هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل. تبع ذلك رد عسكري إسرائيلي واسع النطاق بهدف معلن هو «القضاء على حماس». أسفرت هذه العمليات عن دمار هائل وغير مسبوق في البنية التحتية للقطاع، ونزوح الغالبية العظمى من سكانه، وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا. وقد أدت هذه الأحداث إلى تساؤلات جدية حول قدرة حماس على الاستمرار في حكم غزة بنفس الطريقة، وأثر استراتيجياتها على المدنيين.
كما أثار الصراع انتقادات دولية واسعة بسبب الخسائر البشرية الفادحة والظروف الإنسانية الكارثية، ما وضع حماس تحت مجهر التدقيق العالمي، وزاد من حدة الاتهامات الموجهة إليها بالمسؤولية عن تصعيد العنف وعرقلة مسار السلام.
الضغوط الداخلية والخارجية على حماس
الضغوط الداخلية:
- التساؤلات حول القيادة: تبرز تساؤلات حول مستقبل قيادة حماس الداخلية والخارجية، ومدى قدرتها على التكيف مع متطلبات ما بعد الحرب. قد تشهد الحركة صعودًا لوجوه جديدة أو إعادة ترتيب للأولويات الداخلية.
- مراجعة الاستراتيجية: هناك نقاشات داخلية محتملة حول فعالية استراتيجية المقاومة المسلحة على المدى الطويل، خاصة في ظل التكلفة البشرية والمادية الباهظة التي يدفعها سكان غزة.
- الرأي العام في غزة: على الرغم من وجود دعم للمقاومة، إلا أن هناك أيضًا تزايدًا في الرغبة الشعبية في الاستقرار والتعافي من الدمار، مما قد يضغط على حماس لتقديم حلول سياسية واقتصادية.
الضغوط الخارجية:
- الموقف الإسرائيلي: تؤكد إسرائيل على هدفها المعلن بالقضاء على حماس عسكريًا وإداريًا، وترفض أي دور لها في مستقبل غزة السياسي.
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: تواصل هذه القوى تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، وتطالب بنزع سلاحها ونبذ العنف كشرط لأي انخراط سياسي مستقبلي.
- السلطة الفلسطينية وحركة فتح: تدعو السلطة الفلسطينية إلى توحيد الصف الفلسطيني تحت مظلتها، لكنها ترفض بشكل قاطع دمج الجناح العسكري لحماس في أي ترتيبات مستقبلية.
- القوى الإقليمية: تلعب دول مثل مصر وقطر أدوارًا وساطة مهمة، بينما تواصل دول أخرى مثل إيران تقديم الدعم لحماس كجزء من محور المقاومة.
مسارات محتملة لمستقبل الحركة
في ضوء هذه الضغوط، تبرز عدة مسارات محتملة لمستقبل حماس في مرحلة ما بعد الحرب:
- التمسك بالمقاومة المسلحة: قد تختار حماس إعادة بناء قدراتها العسكرية والاستمرار في خط المقاومة، مع التركيز على تحدي الحصار ومواجهة الاحتلال، بالرغم من التحديات الهائلة.
- التحول السياسي: يمكن أن تتجه حماس نحو التحول إلى كيان سياسي بحت، مع التخلي التدريجي عن دورها العسكري، وربما الانخراط في عملية سياسية أوسع نطاقًا. يتطلب هذا الأمر تنازلات كبيرة من جانب الحركة وقبولًا من المجتمع الدولي والإقليمي.
- الاندماج في منظومة فلسطينية موحدة: قد تشمل سيناريوهات مستقبلية اندماج حماس بشكل أو بآخر في حكومة فلسطينية موحدة، بشرط تخليها عن جناحها العسكري وقبولها شروط الرباعية الدولية (الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقيات السابقة).
- التشرذم أو التهميش: في حال فشلت في التكيف، قد تواجه حماس خطر التشرذم الداخلي أو التهميش على الساحة الفلسطينية، مع ظهور قوى جديدة أو تعزيز دور فصائل أخرى.
لماذا يهم هذا التطور؟
إن مستقبل حركة حماس يمثل نقطة محورية لاستقرار الشرق الأوسط برمته. فقرار الحركة بشأن مسارها المستقبلي سيؤثر بشكل مباشر على الآتي:
- مسار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: سيحدد ما إذا كانت المنطقة ستنزلق إلى مزيد من جولات العنف أو ستفتح الباب أمام جهود سياسية جديدة.
- إعادة إعمار غزة: يشكل وجود سلطة مستقرة ومقبولة دوليًا أمرًا ضروريًا لجهود إعادة الإعمار الشاملة والمستدامة في القطاع المدمر.
- الوحدة الفلسطينية: يُعد تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية بين حماس وفتح خطوة أساسية نحو بناء دولة فلسطينية ذات سيادة.
- الجهود الدبلوماسية الدولية: ستتأثر جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل دائم للصراع بمدى استعداد حماس للانخراط في مسار سياسي.
باختصار، تقف حماس في مواجهة لحظة تاريخية تتطلب منها قرارات استراتيجية ستحدد ليس فقط مصيرها، بل مسار منطقة بأكملها في السنوات القادمة.



