حملات التضليل المرتبطة بالإخوان ودورها في تعميق الأزمة السودانية
منذ اندلاع الصراع المدمر في السودان في أبريل 2023، برزت حرب موازية في الفضاء الرقمي، تمثلت في حملات تضليل إعلامي منظمة. وتشير تقارير وتحليلات متعددة إلى أن شبكات إعلامية يُعتقد أنها مرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين وعناصر من نظام الرئيس السابق عمر البشير، تلعب دورًا محوريًا في تأجيج النزاع وإطالة أمده، مما يضاعف من المعاناة الإنسانية للمدنيين.

خلفية الصراع وجذور الأزمة الإعلامية
اندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، كنتيجة لصراع على السلطة والموارد بعد سنوات من الانتقال السياسي الهش الذي أعقب الإطاحة بالبشير في عام 2019. ويرى مراقبون أن عناصر النظام السابق، المرتبطة بـ "الحركة الإسلامية" السودانية، وجدت في هذا الصراع فرصة للعودة إلى المشهد السياسي من خلال دعم الجيش. وتُستخدم الدعاية الإعلامية كأداة رئيسية لتحقيق هذا الهدف، عبر تشويه الحقائق وتوجيه الرأي العام لدعم طرف على حساب الآخر.
استراتيجيات التضليل المتبعة
تعتمد هذه الشبكات على مجموعة من الأساليب الممنهجة لنشر معلوماتها المضللة، والتي تهدف إلى السيطرة على سردية الحرب. من أبرز هذه الاستراتيجيات:
- نشر الأخبار الكاذبة: يتم بث أخبار ملفقة حول انتصارات وهمية في ساحة المعركة، وتضخيم خسائر الطرف الآخر، واستخدام صور ومقاطع فيديو قديمة أو من سياقات مختلفة وتقديمها على أنها أحداث جارية في السودان.
- تأجيج الخطاب القبلي والعنصري: تعمل هذه المنصات على استغلال التوترات الإثنية والقبلية في البلاد، وخاصة من خلال ربط قوات الدعم السريع بمكونات اجتماعية معينة، بهدف تعميق الانقسام المجتمعي وتصوير الصراع على أنه دفاع عن هوية الدولة ضد "ميليشيات" غازية.
- استغلال الخطاب الديني: يتم إضفاء صبغة أيديولوجية على الصراع عبر تقديمه على أنه "جهاد" أو معركة للدفاع عن الإسلام والدولة ضد "المتمردين العلمانيين"، وذلك لحشد الدعم الشعبي وتبرير استمرار القتال.
- الجيوش الإلكترونية: توظف هذه الشبكات حسابات وهمية ومنسقة على منصات التواصل الاجتماعي، مثل إكس (تويتر سابقًا) وفيسبوك، لمهاجمة الصحفيين والناشطين الذين يكشفون زيف ادعاءاتهم، ولنشر رواياتهم على نطاق واسع.
الأثر المباشر على الوضع الإنساني
لا يقتصر تأثير حملات التضليل على الفضاء الرقمي، بل يمتد ليترك بصمات ملموسة ومأساوية على الأرض. فمن خلال رفض دعوات السلام وتصوير أي محاولة للتفاوض على أنها خيانة، تساهم هذه الدعاية بشكل مباشر في إطالة أمد الحرب. هذا الاستمرار في القتال يعني المزيد من القتلى والجرحى والنازحين، وتفاقم أزمة الجوع التي تهدد الملايين. كما أن نشر معلومات كاذبة حول الوضع الأمني يعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، ويجعل من الصعب على المدنيين اتخاذ قرارات مستنيرة للحفاظ على سلامتهم. إن تسميم البيئة المعلوماتية بالكراهية والأكاذيب يقوض أي أمل في المصالحة الوطنية المستقبلية ويزرع بذور صراعات قادمة.
جهود المواجهة والتحقق
في مقابل هذا الطوفان من المعلومات المضللة، ظهرت مبادرات مدنية وجهود صحفية لمواجهته. تعمل منصات مستقلة للتحقق من الحقائق، يديرها صحفيون وناشطون سودانيون، على تفنيد الشائعات وكشف الأخبار الملفقة وتقديم معلومات دقيقة للجمهور. ومع ذلك، تظل هذه الجهود محدودة في مواجهة الآلات الدعائية المنظمة التي تمتلك تمويلًا كبيرًا وقدرة على الانتشار السريع. ويؤكد الخبراء أن مواجهة التضليل الإعلامي لا تقل أهمية عن الجهود المبذولة على الصعيدين السياسي والإنساني لإنهاء الأزمة في السودان.





