د.البابلي: العمارة وسيلة لتوثيق الهوية لا مجرد فن للبناء
أكدت الدكتورة إيمان لطفي البابلي، الباحثة في المعهد العالي للهندسة بجامعة المنصورة والحاصلة على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، على رؤية جوهرية مفادها أن العمارة تتجاوز كونها مجرد فن للبناء، لتصبح أداة قوية وفاعلة في توثيق الهوية الثقافية والاجتماعية. تشير الدكتورة البابلي إلى أن دور العمارة يتعدى الجوانب الجمالية والوظيفية البحتة ليشمل تجسيد قيم المجتمع وتاريخه وطموحاته.

خلفية أكاديمية وتكوين مهني
ترتبط الدكتورة البابلي بالفن منذ سنوات طفولتها المبكرة، حيث كانت شغوفة بالألوان والرسم والتصميم، مما أسس لميلها الفني الذي رافقها في مسيرتها التعليمية والمهنية. وقد واجهت في بداية طريقها الأكاديمي مفاضلة بين رغبة والدها في التحاقها بكلية الهندسة، ورغبة والدتها في أن تصبح معلمة تتمتع بجدول عمل مستقر وثابت. إلا أنها اختارت مسارًا يجمع بين شغفها الفني والدراسة الأكاديمية المتعمقة، فالتحقت بكلية الفنون الجميلة، وتحديدًا قسم الديكور، شعبة العمارة الداخلية. هذا الاختيار لم يكن صدفة، بل عكس رغبتها في الجمع بين الحس الجمالي والفهم الهندسي العملي.
مفهوم العمارة الداخلية وتوثيق الهوية
وصفت الدكتورة إيمان البابلي تخصص العمارة الداخلية بأنه مجال لا يقتصر على الشكل الجمالي فقط، بل يمتد ليشمل عناصر أعمق وأكثر شمولية. فهو يتناول التشطيبات الأساسية للمباني، والخدمات الحيوية مثل شبكات الكهرباء والصرف الصحي، وصولاً إلى أدق التفاصيل في الديكورات الداخلية وتجليد الحوائط. وهذا المفهوم الشامل لتخصصها يفسر رؤيتها للعمارة كأداة لتوثيق الهوية. فعندما تُصمم المساحات الداخلية مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الوظيفية والثقافية والتاريخية للمستخدمين، فإنها لا تخدم احتياجاتهم فحسب، بل تعكس أيضًا قيمهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم.
في هذا السياق، تصبح الجدران والأسقف والأرضيات، وحتى توزيع الأثاث والتفاصيل الزخرفية، بمثابة مرآة تعكس الذاكرة الجماعية والفردية. فالعمارة، بنظرتها هذه، تتجاوز وظيفتها كمأوى أو مساحة عمل لتتحول إلى راوٍ صامت يحكي قصص أصحابها وثقافتهم. على سبيل المثال، يمكن للتصاميم المستوحاة من التراث المحلي أو استخدام مواد بناء تقليدية أن تعزز الشعور بالانتماء وتؤكد على جذور وهوية معينة، سواء كان ذلك في المنازل، المتاحف، أو حتى الأماكن العامة. هذه النظرة الشاملة للعمارة تؤكد على أهميتها كعنصر فعال في الحفاظ على الهوية وتطويرها في وجه التغيرات السريعة.





