رهان غزة: صفقة السلام المحفوفة بالفشل
تجد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق سلام دائم في قطاع غزة نفسها في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025، محاطة بسياج كثيف من التحديات، مما يجعل أي صفقة محتملة أشبه بـ رهان عالي المخاطر محفوف بالفشل. فبينما تتوالى المقترحات الدولية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ومناقشة مستقبل القطاع الممزق، تتصادم المصالح وتتراكم الشكوك، مما يضع مصير ملايين البشر على المحك في ظل أزمة إنسانية متفاقمة وصراع عسكري مستمر.

الخلفية التاريخية والظرف الراهن
تعود جذور الصراع في غزة إلى عقود طويلة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث شهد القطاع تحولات مفصلية. فبعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، وسيطرة حركة حماس عليه في عام 2007، تحول القطاع إلى بؤرة للتوترات المتكررة والحصار. فشلت العديد من محاولات السلام السابقة، من اتفاقيات أوسلو إلى مبادرات لاحقة، في إيجاد حل شامل ودائم، مما خلف إرثًا من عدم الثقة والإحباط. وقد تصاعدت الأوضاع بشكل دراماتيكي في السابع من أكتوبر 2023، بعد هجوم شنته حماس، تلاه رد عسكري إسرائيلي واسع النطاق، أدى إلى دمار هائل، ونزوح غير مسبوق، وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا. هذه الأحداث الأخيرة غيرت بشكل جذري المشهد السياسي والأمني، ووضعت ضغوطًا هائلة على الأسرة الدولية للتدخل.
التطورات الدبلوماسية الأخيرة
شهدت الأشهر الماضية تكثيفًا للجهود الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة، وبدعم من وسطاء إقليميين مثل مصر وقطر. تمحورت هذه الجهود حول عدة مسارات رئيسية:
- هدنة إنسانية وتبادل الأسرى: تهدف المقترحات المطروحة إلى تحقيق وقف لإطلاق النار على مراحل، مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.
 - مستقبل غزة "ما بعد الحرب": ناقشت الأطراف تصورات مختلفة للحكم والإدارة في القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية. تتراوح المقترحات بين عودة السلطة الفلسطينية، أو تشكيل إدارة دولية مؤقتة، أو حكومة تكنوقراط فلسطينية.
 - إعادة الإعمار والمساعدات: التركيز على آليات إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة وخطط واسعة النطاق لإعادة إعمار القطاع المدمر.
 
وقد واجهت هذه المقترحات ردود فعل متباينة. أظهرت إسرائيل ترددًا في قبول بعض الشروط المتعلقة بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل، مع تمسكها بهدف "القضاء على حماس". بينما أصرت حماس على ضرورة وقف العدوان بشكل كامل كشرط لأي صفقة أسرى، ورفضت أي سيناريوهات تهدف إلى تهميش دورها المستقبلي. أما الولايات المتحدة، فتدفع باتجاه صفقة شاملة تربط بين الهدنة وإطلاق الرهائن ومسار سياسي أوسع قد يشمل التطبيع الإقليمي.
العقبات الجوهرية أمام الصفقة
لا تزال هناك عقبات كبرى تهدد بتقويض أي اتفاق محتمل، مما يجعل الحديث عن "صفقة سلام" أقرب إلى "رهان محفوف بالفشل":
- تباين الأهداف الجذرية: تصر إسرائيل على أهداف أمنية قصوى، بينما تسعى حماس للحفاظ على نفوذها ومقاومتها، وتسعى السلطة الفلسطينية إلى استعادة شرعيتها وسيادتها. هذه التباينات يصعب التوفيق بينها.
 - انعدام الثقة العميق: عقود من الصراع خلقت فجوة هائلة من عدم الثقة بين الأطراف، مما يجعل الالتزام بأي اتفاق تحديًا كبيرًا.
 - الضغوط السياسية الداخلية: يواجه القادة الإسرائيليون والفلسطينيون ضغوطًا داخلية هائلة من ناخبيهم وفصائلهم، مما يحد من مرونتهم التفاوضية. فالتحالف الحكومي الإسرائيلي يعتمد على أحزاب يمينية متشددة، بينما تواجه حماس ضغوطًا من قاعدتها الشعبية لتحقيق مكاسب حقيقية.
 - الأزمة الإنسانية المستمرة: تعقّد الظروف الإنسانية الكارثية في غزة أي جهود سياسية، حيث أصبح التركيز الرئيسي على البقاء والحصول على الغذاء والماء، مما يحول دون التركيز على الحلول السياسية طويلة الأمد.
 - التحديات الإقليمية: تشابك الصراع مع قضايا إقليمية أوسع، مثل التوترات بين إسرائيل وإيران، وتصاعد الهجمات في البحر الأحمر، مما يزيد من تعقيد المشهد.
 
الأهمية والتداعيات المحتملة
لا يقتصر مصير هذه المفاوضات على سكان غزة وحدهم، بل تتجاوز تداعياتها لتشمل المنطقة بأسرها والعالم. ففشل هذه الصفقة قد يؤدي إلى:
- مزيد من عدم الاستقرار: استمرار الصراع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، واندلاع جولات عنف جديدة.
 - تقويض جهود السلام المستقبلية: فقدان الثقة في جدوى الحلول الدبلوماسية، وتعزيز التوجه نحو الخيارات العسكرية.
 - تأثير على الأمن الإقليمي والدولي: امتداد تداعيات الصراع إلى دول مجاورة، وتأثير على الملاحة الدولية والطاقة.
 - إضعاف مكانة القوى الوسيطة: تقويض مصداقية اللاعبين الدوليين الذين يتوسطون في هذه الأزمة.
 
بينما تتواصل المحادثات الشاقة خلف الكواليس، يبقى مستقبل غزة معلقًا بين آمال خجولة بـ اختراق دبلوماسي والواقع المرير لـ صراع مستمر. ويبدو أن التوصل إلى "صفقة" شاملة ومرضية لجميع الأطراف في هذا الظرف بالغ التعقيد يظل رهانًا صعبًا للغاية، محفوفًا بمخاطر الانهيار في أي لحظة.





