زهران ممداني: قصة أول مسلم يفوز بمقعد تمثيلي في نيويورك
في خطوة تاريخية تعكس التنوع المتزايد في المشهد السياسي الأمريكي، حقق المحامي والناشط زهران ممداني فوزاً بارزاً في انتخابات نوفمبر 2020، ليصبح بذلك أول مسلم يفوز بمقعد تمثيلي في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك. وقد أثار هذا الفوز اهتماماً واسعاً، لا سيما وأنه جاء نتيجة لحملة شعبية قوية ركزت على قضايا الطبقة العاملة والعدالة الاجتماعية، مما يؤكد على تحولات محتملة في أولويات الناخبين واتجاهاتهم السياسية.

من هو زهران ممداني؟ الخلفية والنشأة
ولد زهران ممداني في كمبالا، أوغندا، عام 1991، وينحدر من عائلة ذات خلفية ثقافية وسياسية غنية. والده هو الأكاديمي والكاتب البارز محمود ممداني، ووالدته المخرجة السينمائية المعروفة ميرا ناير. انتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة عندما كان طفلاً، واستقر في نيويورك، حيث تلقى تعليمه العالي. قبل دخوله المعترك السياسي، عمل ممداني محامياً للمصلحة العامة، متخصصاً في الدفاع الجنائي. هذه الخلفية منحته رؤى عميقة حول التحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات المهمشة في نظام العدالة، وشكلت قناعاته السياسية.
بالإضافة إلى عمله القانوني، زهران ممداني معروف أيضاً كشاعر وفنان، وقد أصدر أعمالاً تعكس هويته وتجاربه كمهاجر وناشط. هذه الأبعاد المتعددة لشخصيته ساهمت في بناء صورته كمرشح يمتلك رؤية ثقافية واجتماعية واسعة، تتجاوز مجرد السياسات التقليدية.
الحملة السياسية والانتصار التاريخي
ترشح ممداني، وهو اشتراكي ديمقراطي، لمقعد الدائرة 36 في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، والتي تغطي منطقة أستوريا في حي كوينز. كانت حملته مدفوعة بالدعم الشعبي والتركيز على قضايا تقدمية جريئة. من أبرز النقاط في برنامجه الانتخابي كانت:
- الإسكان العادل: الدعوة إلى إلغاء الإيجارات المتأخرة خلال الأزمات وتوسيع نطاق التحكم في الإيجارات لحماية المستأجرين.
- الرعاية الصحية الشاملة: دعم برنامج "الرعاية الطبية للجميع" (Medicare for All) على مستوى الولاية، لضمان حصول الجميع على رعاية صحية عالية الجودة بغض النظر عن قدرتهم المالية.
- العدالة المناخية: تطبيق سياسات "الصفقة الخضراء الجديدة" (Green New Deal) على مستوى الولاية، بهدف مكافحة تغير المناخ وخلق فرص عمل خضراء.
- إصلاح العدالة الجنائية: معالجة عدم المساواة المنهجية في نظام العدالة الجنائية، والعمل على تقليل معدلات السجن ودعم برامج إعادة التأهيل.
واجه ممداني خلال حملته منافسة قوية من شاغلة المنصب منذ فترة طويلة، أرافيلا سيموتاس، التي كانت تتمتع بدعم المؤسسات الحزبية. ومع ذلك، نجحت حملة ممداني، التي وصفت في بدايتها بأنها "ضعيفة" من قبل بعض المحللين، في استقطاب تحالف متنوع من المتطوعين والناشطين، بمن فيهم مجموعات الشباب والناشطين التقدميين ومنظمات المجتمع المدني. وقد ساهمت قدرته على التواصل الشخصي وجاذبيته في تعبئة الدعم الجماهيري الكبير الذي أدى إلى فوزه في الانتخابات العامة.
الأهمية والتأثير على المشهد السياسي
لا يقتصر فوز زهران ممداني على كونه انتصاراً شخصياً له، بل يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ نيويورك والسياسة الأمريكية الأوسع. فهو ليس فقط أول مسلم يفوز بمقعد تمثيلي في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، بل أيضاً أول شخص من جنوب آسيا يمثل دائرته. هذا الإنجاز يؤكد على عدة نقاط رئيسية:
- تعزيز التنوع والتمثيل: يبرز فوزه أهمية وجود أصوات متنوعة في هيئات صنع القرار، تعكس التركيبة الديموغرافية المتغيرة للولايات المتحدة. إنه يفتح الباب أمام المزيد من المرشحين من الأقليات للترشح والفوز.
- صعود اليسار التقدمي: يعد انتصار ممداني جزءاً من موجة أوسع من الانتصارات التي حققها المرشحون الاشتراكيون الديمقراطيون والتقدميون في مناطق مختلفة من البلاد، مما يشير إلى تزايد الدعم للسياسات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر يسارية.
- تمكين الجاليات المهمشة: يلهم فوز ممداني الجاليات المسلمة وجاليات جنوب آسيا، ويمنحهم شعوراً بالتمكين والقدرة على التأثير في العملية السياسية. إنه يكسر الحواجز ويقدم نموذجاً للمشاركة الفعالة.
منذ فوزه، واصل ممداني التزامه بالقضايا التي ركز عليها في حملته. لقد تمكن من التأثير في النقاشات التشريعية حول الإسكان، والعدالة الجنائية، والبيئة، ويعتبر صوتاً قوياً للمستأجرين والطبقات العاملة في نيويورك. وقد أعيد انتخابه في 2022، مما يؤكد على استمرار شعبيته ودعمه من قبل ناخبيه.
الخاتمة
إن قصة زهران ممداني هي شهادة على قوة العمل الجماهيري، وأهمية تمثيل جميع شرائح المجتمع في الهيئات التشريعية. فوزه ليس مجرد رقم في سجل الانتخابات، بل هو رمز للأمل والتغيير، ويشير إلى مستقبل سياسي أكثر شمولية وتنوعاً في مدينة نيويورك والولايات المتحدة بشكل عام.





