شابات نوبيات يحيين أسرار جمال الجدات: مشروع "جميلة الجميلات" يعيد الفتيات للطبيعة
في مبادرة فريدة من نوعها، شرعت ثلاث شابات نوبيات في رحلة لإحياء تراث الأجداد الغني بأسرار الجمال الطبيعي، وذلك بهدف تمكين الفتيات من تبني أساليب عناية بالبشرة والشعر مستوحاة من البيئة النوبية الخالصة. تحمل هذه المبادرة، التي برزت مؤخرًا، شعارًا نوبيًا عميق الدلالة هو "أشريندا"، والذي يعني "جميلة الجميلات"، تعبيرًا عن رؤيتهن بأن كل فتاة تستحق أن تشعر بجمالها الطبيعي الأصيل بعيدًا عن التأثيرات الكيميائية للمنتجات الصناعية. تسعى الشابات من خلال مشروع "جميلة الجميلات" إلى تعليم الأجيال الجديدة كيفية تحضير مستحضرات تجميل طبيعية بالكامل، مستخدمات مكونات متوفرة في البيئة النوبية، للحفاظ على صحة وجمال البشرة والشعر بأسلوب آمن ومستدام.
سياق المبادرة وأهميتها
جاءت هذه المبادرة في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن المكونات الكيميائية الضارة الموجودة في العديد من منتجات التجميل الحديثة، والتي قد تسبب مشاكل صحية للبشرة على المدى الطويل. ترى الشابات النوبيات أن العودة إلى الطبيعة ليست مجرد خيار تجميلي، بل هي ضرورة صحية وثقافية. فالجمال في الثقافة النوبية ارتبط دائمًا بالنقاوة والأصالة، حيث اعتمدت الجدات على موارد البيئة المحلية لإنشاء وصفات سحرية للعناية بالذات، حافظت على شبابهن ونضارتهن لعقود طويلة. تكمن أهمية هذه المبادرة في كونها لا تقدم حلولًا تجميلية فقط، بل تعمق الانتماء للهوية الثقافية النوبية، وتشجع على الاستفادة المستدامة من الموارد الطبيعية.
تاريخيًا، كانت المرأة النوبية تستخدم مكونات مثل الكركديه لتوريد الشفاه، والترمس لتفتيح البشرة، والحناء لتقوية الشعر وتلوينه، وزيت الخروع لتعزيز نموه. هذه الممارسات لم تكن مجرد روتين جمالي، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من نمط الحياة النوبي الذي يقدس الانسجام مع الطبيعة. مع تسارع وتيرة الحياة الحديثة وتوفر المنتجات المصنعة بسهولة، بدأت هذه الأسرار تتلاشى تدريجيًا. لذلك، يهدف مشروع "جميلة الجميلات" إلى إعادة إحياء هذا الإرث الثمين، وتقديمه للجيل الحالي بشكل عصري وجذاب.
رحلة "جميلة الجميلات": من الفكرة إلى التنفيذ
استلهمت الشابات الثلاث فكرتهن من حكايات جداتهن وخبراتهن المتوارثة عبر الأجيال. قضين وقتًا طويلًا في البحث والتجريب، وتوثيق الوصفات التقليدية، وفهم خصائص كل مكون طبيعي. لم يكن الأمر مجرد نقل لوصفات، بل تضمن دراسة علمية بسيطة لتأثيرات هذه المكونات على أنواع البشرة المختلفة، وكيفية مزجها للحصول على أفضل النتائج. وقد ركزت جهودهن على:
- جمع المعرفة: التحدث مع كبار السن في النوبة لجمع الوصفات الأصلية وأساليب التحضير الدقيقة.
- التجريب والابتكار: تكييف الوصفات لتناسب الاحتياجات الحديثة مع الحفاظ على جوهرها الطبيعي.
- توفير المكونات: الاعتماد على مصادر محلية ومستدامة للمكونات مثل (الحلبة، الترمس، الكركديه، الحناء، الدوم، زيت السمسم، وغيرها).
تشمل المنتجات التي يعلمن الفتيات تحضيرها مجموعة واسعة من مستحضرات العناية بالبشرة والشعر، مثل أقنعة الوجه الطبيعية المرطبة والمنقية، زيوت الشعر المقوية، خلطات تفتيح البشرة، وحتى مزيلات العرق الطبيعية. ويتم التركيز في كل ورشة عمل أو جلسة تعليمية على الشرح المفصل لفوائد كل مكون وكيفية استخدامه بفعالية، مع التأكيد على أن الجمال الحقيقي ينبع من الصحة والعناية الشاملة.
الأهداف والآفاق المستقبلية
تطمح الشابات النوبيات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية من خلال هذه المبادرة:
- التمكين الصحي والثقافي: توعية الفتيات والنساء بأهمية الابتعاد عن المواد الكيميائية الضارة، وتمكينهن من العودة إلى الجمال الطبيعي الأصيل.
- الحفاظ على التراث: المساهمة في حفظ ونقل جزء مهم من التراث الثقافي النوبي للأجيال القادمة، وتعزيز الفخر بالهوية النوبية.
- التنمية المستدامة: تشجيع استخدام الموارد المحلية لدعم الاقتصاد المحلي الصغير، وخلق فرص عمل للنساء في مجتمعاتهن.
- نشر الوعي: توسيع نطاق المبادرة لتشمل مناطق أوسع، وربما إنشاء منصة تعليمية أو خط إنتاج لمنتجات طبيعية مستوحاة من النوبة.
تتمحور رؤيتهن المستقبلية حول بناء مجتمع من النساء الواعيات بجمالهن الطبيعي وقادرات على اتخاذ خيارات صحية لأنفسهن ولعائلاتهن. يرين أن الجمال ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو انعكاس للصحة الداخلية والثقة بالنفس والاتصال بالثقافة والتراث.
تأثير المبادرة وردود الأفعال
حظيت مبادرة "جميلة الجميلات" بترحيب كبير من قبل المجتمع المحلي، خاصة بين الأمهات والفتيات اللواتي أبدين اهتمامًا بالغًا بتعلم هذه الأسرار. شهدت ورش العمل التي أقامتها الشابات إقبالًا ملحوظًا، حيث عبرت المشاركات عن سعادتهن باكتشاف بدائل طبيعية فعالة وغير مكلفة لمنتجات التجميل التجارية. العديد من الفتيات شعرن بزيادة في الثقة بالنفس بعد أن تعلمن كيفية العناية بجمالهن باستخدام مكونات طبيعية وآمنة، مما يعزز رسالة المبادرة في تمكين المرأة.
تعتبر هذه المبادرة بمثابة جسر يربط بين الأجيال، حيث تجد الجدات فرحة في نقل حكمتهن، وتجد الشابات مصدر إلهام في تراثهن. إنها خطوة نحو استعادة القيم الأصيلة للجمال التي تتجاوز مجرد المظاهر لتلامس عمق الثقافة والهوية. ومع استمرار جهودهن، من المتوقع أن يلعب مشروع "جميلة الجميلات" دورًا محوريًا في تعزيز الوعي بالجمال الطبيعي والممارسات التقليدية ليس في النوبة فحسب، بل ربما يمتد تأثيره ليُلهم مجتمعات أخرى.




