طوكيو تجدد التزامها بتعزيز التحالف الاستراتيجي مع واشنطن
في خطوة وصفت بالتاريخية، أعادت اليابان والولايات المتحدة تأكيد التزامهما بتعميق شراكتهما الاستراتيجية، حيث شهدت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى واشنطن في أبريل 2024 الإعلان عن أكبر تحديث للتحالف الأمني بين البلدين منذ عقود. وتهدف هذه التطورات إلى بناء هيكل دفاعي مشترك أكثر تكاملاً وفعالية لمواجهة التحديات المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

تطور تاريخي في التعاون العسكري
شكلت القمة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء كيشيدا نقطة تحول في طبيعة التحالف العسكري. حيث اتفق الطرفان على إعادة هيكلة القيادة العسكرية الأمريكية في اليابان لتعزيز التنسيق والتخطيط المشترك مع قوات الدفاع الذاتي اليابانية. ويأتي هذا التحديث استجابة مباشرة لتأسيس اليابان لقيادة عمليات مشتركة جديدة بحلول عام 2025، مما يسمح بتكامل أعمق بين القوات في زمن السلم والأزمات.
وتشمل أبرز جوانب التعاون المعلن عنها ما يلي:
- تطوير شبكة دفاع جوي وصاروخي مشتركة تضم أستراليا أيضاً، بهدف التصدي للتهديدات المتقدمة في المنطقة.
 - إطلاق مجلس صناعي دفاعي مشترك لتسريع وتيرة التطوير المشترك وإنتاج التقنيات العسكرية الحيوية.
 - زيادة وتيرة التدريبات العسكرية المشتركة وتعزيز قدرات الاستجابة السريعة للأزمات الإقليمية.
 
يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها النقلة النوعية الأهم في بنية التحالف منذ توقيع معاهدة التعاون والأمن المتبادل في عام 1960، مما يحول العلاقة من صيغة تعتمد على حماية الولايات المتحدة لليابان إلى شراكة أكثر ندية وتوازناً.
مواجهة التحديات الإقليمية
لا تخفي البيانات الصادرة عن واشنطن وطوكيو أن الدافع الرئيسي وراء هذا التعزيز للتحالف هو التعامل مع البيئة الأمنية المعقدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتضع الدولتان نصب أعينهما السلوك الصيني المتزايد حزماً، والذي وصفه البيان المشترك بأنه «التحدي الاستراتيجي الأكبر» للنظام الدولي. وتشمل المخاوف المشتركة الأنشطة العسكرية الصينية حول تايوان وفي بحري الصين الجنوبي والشرقي.
بالإضافة إلى الصين، يهدف التحالف المحدث إلى ردع التهديدات الصادرة عن كوريا الشمالية، لا سيما برامجها النووية والصاروخية الباليستية المستمرة. كما أكد الزعيمان على أهمية توسيع التعاون ليشمل أطرافاً أخرى، وهو ما تجلى في عقد أول قمة ثلاثية تاريخية جمعت قادة الولايات المتحدة واليابان والفلبين، بهدف تعزيز الأمن البحري في مواجهة الضغوط الصينية في بحر الصين الجنوبي.
أبعاد اقتصادية وتقنية للشراكة
يتجاوز التحالف المعزز الجوانب العسكرية ليشمل أبعاداً اقتصادية وتقنية استراتيجية. وأكد البلدان على ضرورة حماية التقنيات الحيوية وتأمين سلاسل الإمداد، خاصة في مجال أشباه الموصلات. وتعهدت الشركات اليابانية باستثمارات كبيرة في قطاع التكنولوجيا الأمريكي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، لضمان التفوق التكنولوجي المشترك.
كما يمتد التعاون إلى الفضاء، حيث أعلنت وكالة ناسا أن رائد فضاء يابانياً سيكون أول شخص غير أمريكي يهبط على سطح القمر ضمن برنامج «أرتميس» المستقبلي. وتعكس هذه المبادرات رؤية مشتركة لترسيخ شراكة لا تقتصر على الدفاع، بل تشمل الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام ومواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ.
خلفية التحول في السياسة الدفاعية اليابانية
تأتي هذه التطورات في سياق تحول تاريخي في السياسة الدفاعية لليابان. فبعد عقود من الالتزام بدستورها السلمي الذي فرض بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت طوكيو في اتخاذ خطوات حاسمة لتعزيز قدراتها العسكرية. في أواخر عام 2022، أقرت اليابان استراتيجية أمنية وطنية جديدة تتضمن زيادة الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وهو ما يضعها في مصاف الدول الكبرى من حيث الإنفاق العسكري.
الأهم من ذلك، تضمنت الاستراتيجية الجديدة امتلاك «قدرات هجوم مضاد»، مما يسمح لليابان بضرب قواعد الصواريخ في أراضي العدو في حال تعرضها لهجوم وشيك. ويمثل هذا القرار تغييراً جذرياً عن عقيدة الدفاع الذاتي الحصري التي سادت طويلاً، وقد رحبت به واشنطن باعتباره خطوة ضرورية لتمكين اليابان من تحمل مسؤوليات أكبر في الحفاظ على أمن المنطقة.





