عالمة مصريات تجدد المطالبة باسترداد كنوز أثرية من متحف اللوفر
عادت قضية الآثار المصرية الموجودة في المتاحف العالمية إلى الواجهة مجددًا، بعد أن أطلقت عالمة المصريات الدكتورة مونيكا حنا، القائم بأعمال عميد كلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بأسوان، حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أواخر أكتوبر 2023. تطالب الحملة باستعادة مجموعة ضخمة من القطع الأثرية التي تم اكتشافها في منطقة سقارة الأثرية في منتصف القرن التاسع عشر، وتُعرض حاليًا في متحف اللوفر بباريس، وتصف عملية نقلها إلى فرنسا بأنها تمت بشكل غير قانوني.

خلفية تاريخية: بعثة أوجست مارييت
تعود جذور القضية إلى عام 1850، عندما أرسل متحف اللوفر عالم المصريات الفرنسي أوجست مارييت إلى مصر في مهمة رسمية. كانت مهمته الأساسية المعلنة هي البحث عن وشراء المخطوطات القبطية والسريانية القديمة لصالح المتحف. لكن عند وصوله، تغير مسار رحلته بشكل جذري بعد اكتشافه تمثالًا لأبي الهول مدفونًا جزئيًا في رمال سقارة، مما قاده إلى الاعتقاد بأنه على وشك الكشف عن موقع السيرابيوم المفقود، وهو المعبد والمقبرة المخصصة لدفن عجول أبيس المقدسة.
باستخدام الأموال المخصصة لشراء المخطوطات، بدأ مارييت عمليات حفر واسعة النطاق في سقارة دون الحصول على إذن صريح من السلطات المصرية آنذاك، التي كانت تحت حكم الخديوي عباس الأول. وقد تكللت جهوده بالنجاح؛ حيث كشف عن ممرات السيرابيوم التي كانت تحتوي على كنوز أثرية لا تقدر بثمن. تشير المصادر التاريخية، بما في ذلك مذكرات مارييت نفسه، إلى أن عملية نقل هذه الآثار تمت في سرية، حيث قام بشحن آلاف القطع الأثرية إلى فرنسا، مخالفًا بذلك الأهداف المعلنة لبعثته والقيود المفروضة من قبل الحكومة المصرية.
تفاصيل الحملة والمطالب الرئيسية
في منشوراتها، سلطت الدكتورة مونيكا حنا الضوء على ما وصفته بـ«أكبر سرقة آثار في تاريخ مصر الحديث». وأوضحت أن مارييت استغل مهمته الرسمية كغطاء لتنفيذ عمليات حفر غير مصرح بها وتهريب المكتشفات. تستند حملتها على الحقائق التاريخية الموثقة التي تظهر أن هذه القطع لم تكن هدية من الحكومة المصرية ولم يتم شراؤها بطريقة قانونية، بل تم الاستيلاء عليها عبر الخداع والتحايل على القوانين المحلية السائدة في ذلك الوقت.
تتضمن قائمة الآثار التي تطالب حنا باستردادها مجموعة واسعة من المكتشفات التي خرجت من السيرابيوم، ومنها:
- تمثال الكاتب الجالس، أحد أروع الأمثلة على الفن المصري القديم.
- مجموعة كبيرة من التوابيت الضخمة الخاصة بعجول أبيس.
- تماثيل ومجوهرات ولوحات جنائزية ونقوش كانت تزين المعبد والمقبرة.
تدعو الحملة إلى تحرك رسمي من جانب الدولة المصرية لفتح ملف هذه الآثار مع الحكومة الفرنسية ومتحف اللوفر، وتقديم طلب استرداد رسمي مدعوم بالوثائق التاريخية التي تثبت عدم شرعية خروجها من البلاد.
الأهمية والسياق الأوسع
تكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة في ظل تنامي التوجه العالمي نحو إعادة تقييم المجموعات الأثرية في المتاحف الكبرى، ومساءلة الطرق التي تم بها جمع الكثير من هذه الكنوز خلال الحقبة الاستعمارية. لم تعد قضية استرداد الآثار مجرد مطلب عاطفي، بل أصبحت جزءًا من حوار عالمي حول العدالة الثقافية وتصحيح أخطاء الماضي. وتأتي هذه الحملة استكمالًا لجهود مصرية مستمرة على مدى عقود لاستعادة تراثها المنهوب، والتي نجحت في استرداد آلاف القطع الأثرية من مختلف دول العالم.
تُبرز قضية آثار السيرابيوم في اللوفر التعقيدات القانونية والأخلاقية المحيطة بالآثار التي خرجت من مصر قبل صدور القوانين الدولية والمحلية الصارمة التي تجرّم الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. ويرى المؤيدون للحملة أنها فرصة لتأكيد حق مصر في تراثها الحضاري، بينما يعتبرها البعض الآخر تحديًا دبلوماسيًا معقدًا يتطلب مفاوضات طويلة الأمد.





