غزة: تفاقم الكارثة الإنسانية مع استمرار الصراع
بعد مرور عدة أشهر على اندلاع الحرب في قطاع غزة، تتكشف أزمة إنسانية غير مسبوقة تزداد عمقاً يوماً بعد يوم. أدت العمليات العسكرية المستمرة إلى دمار هائل في البنية التحتية، وتسببت في سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، ودفعت الغالبية العظمى من السكان إلى النزوح القسري في ظروف معيشية كارثية، وسط تحذيرات دولية من مجاعة وشيكة وانهيار كامل للمنظومة الصحية.

خلفية التصعيد الأخير
بدأ هذا الفصل من الصراع في السابع من أكتوبر 2023، بعد هجوم واسع النطاق قادته حركة حماس على بلدات ومواقع عسكرية إسرائيلية، مما أسفر عن مقتل مئات الإسرائيليين واحتجاز آخرين كرهائن. ورداً على ذلك، أعلنت إسرائيل الحرب وبدأت حملة عسكرية جوية وبرية وبحرية مكثفة على قطاع غزة، بهدف معلن هو القضاء على قدرات حماس العسكرية واستعادة الرهائن.
أبعاد الأزمة الإنسانية
وصفت منظمات الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الدولية الوضع في غزة بأنه كارثي. وتشير أحدث البيانات الصادرة في أواخر مايو وأوائل يونيو 2024 إلى حجم المأساة بالأرقام:
- الضحايا: تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 36,500 شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما فاق عدد الجرحى 82,000 مصاب، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة.
- النزوح: تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 1.7 مليون شخص، أي ما يعادل 75% من سكان القطاع، قد نزحوا داخلياً، وكثير منهم نزحوا عدة مرات بحثاً عن ملاذ آمن.
- البنية التحتية: تعرضت أكثر من 60% من الوحدات السكنية في القطاع للتدمير أو لأضرار بالغة، كما لحق دمار واسع بالبنية التحتية الحيوية من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي.
على صعيد الأمن الغذائي، حذرت منظمات دولية، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، من أن المجاعة باتت وشيكة، خاصة في شمال القطاع الذي عانى من حصار شبه كامل لأشهر طويلة. ويعاني الأطفال وكبار السن من مستويات حادة من سوء التغذية، مما يزيد من خطر وفاتهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. أما القطاع الصحي، فقد وصل إلى حافة الانهيار التام، مع خروج معظم المستشفيات والمراكز الطبية عن الخدمة نتيجة القصف المباشر أو نقص الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية.
تحديات إيصال المساعدات
تواجه عمليات الإغاثة الإنسانية عقبات هائلة. فرغم الجهود الدولية، لا يزال حجم المساعدات التي تدخل القطاع أقل بكثير من الاحتياجات الدنيا للسكان. وتتمثل التحديات الرئيسية في القيود المفروضة على المعابر الحدودية، خاصة بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في مايو 2024، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية التي يتعرض لها العاملون في المجال الإنساني والدمار الذي لحق بالطرق، مما يعيق توزيع المساعدات داخل القطاع.
التطورات الميدانية والجهود الدبلوماسية
شهدت الأسابيع الأخيرة تكثيفاً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح جنوب القطاع، التي كانت تؤوي أكثر من مليون نازح، مما أدى إلى موجة نزوح جديدة وتفاقم الوضع الإنساني. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تستمر الجهود التي تقودها الولايات المتحدة ومصر وقطر للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، لكن المفاوضات لا تزال تواجه صعوبات كبيرة. في غضون ذلك، تزايدت الضغوط الدولية على أطراف الصراع، بما في ذلك قرارات محكمة العدل الدولية التي طالبت إسرائيل بوقف هجومها على رفح وتسهيل دخول المساعدات، وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق قادة من إسرائيل وحماس بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.





