«فرصة صغيرة» من ترامب لحماس.. احترام وقف النار أو الاستئصال
في تطور يعكس تصلب الموقف الأمريكي تجاه حركة حماس في قطاع غزة، وجه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في فترة سابقة من ولايته الرئاسية (تحديدًا في أواخر عام 2018)، إنذارًا شديد اللهجة للحركة، محذرًا إياها من عواقب وخيمة في حال عدم التزامها الكامل بوقف إطلاق النار مع إسرائيل. وقد جاء هذا الإنذار، الذي وصفته بعض التقارير حينها بـ«الفرصة الصغيرة»، في سياق تصاعد التوترات في المنطقة، وسعي الإدارة الأمريكية لفرض رؤيتها للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. التصريحات الصريحة لترامب حملت خيارين لا ثالث لهما: إما احترام الهدنة والامتثال للشروط المتفق عليها، أو مواجهة «الاستئصال»؛ وهو تهديد يُفسر على نطاق واسع بأنه يعني تدمير القدرات العسكرية للحركة وتفكيك حكمها في غزة.

الخلفية التاريخية للتوتر والصراع
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحديدًا الوضع في قطاع غزة، يمثل أحد أكثر النزاعات تعقيدًا في الشرق الأوسط. حركة حماس، التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، تُصنف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول الغربية كمنظمة إرهابية. وقد شهد القطاع، على مدى عقود، جولات عديدة من العنف والحروب مع إسرائيل، كان آخرها حروب كبرى في أعوام 2008-2009 و2012 و2014. كل جولة من هذه الصراعات تنتهي عادة باتفاقيات وقف إطلاق نار هشة، تتوسط فيها غالبًا مصر وقطر والأمم المتحدة، لكنها غالبًا ما تتعرض للانتهاك بفعل استمرار التوترات على الحدود والضغوط الاقتصادية والإنسانية الخانقة على سكان القطاع.
سياق الإنذار الأمريكي وتصاعد التوترات
جاء إنذار ترامب في فترة كانت تشهد تصاعدًا في «مسيرات العودة الكبرى» على حدود غزة، والتي بدأت في مارس 2018، وأدت إلى اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية وسقوط العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين. ردًا على ذلك، كانت حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى تطلق بالونات حارقة وطائرات ورقية نحو المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع، مما تسبب في حرائق واسعة النطاق. كما شهدت تلك الفترة إطلاق صواريخ وقذائف هاون بشكل متقطع من غزة نحو إسرائيل، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية أو كجزء من التصعيد. هذه التطورات هي التي شكلت الأرضية لتدخل الإدارة الأمريكية بلهجة أكثر حزمًا، خاصة وأن ترامب كان يسعى للدفع قدمًا بـ«صفقة القرن» للسلام، والتي كانت تتطلب هدوءًا نسبيًا في المنطقة.
كانت إدارة ترامب قد اتخذت مواقف داعمة بقوة لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). هذه السياسات، التي اعتبرها الفلسطينيون منحازة تمامًا لإسرائيل، زادت من صعوبة أي وساطة أمريكية محايدة، لكنها في الوقت نفسه منحت واشنطن نفوذًا قويًا للضغط على الأطراف، خاصة على حماس.
تداعيات الإنذار وتفاعل الأطراف
تهديد ترامب بـ«الاستئصال» لم يكن مجرد تصريح عابر، بل حمل في طياته إشارة واضحة إلى استعداد الولايات المتحدة لدعم عمل عسكري إسرائيلي واسع النطاق ضد حماس، أو حتى المشاركة فيه بشكل غير مباشر، لإنهاء سيطرة الحركة على غزة. هذا الإنذار وضع حماس في موقف حرج، حيث كان عليها الموازنة بين الحفاظ على المقاومة ضد الاحتلال وبين تجنب مواجهة قد تكون كارثية على القطاع وسكانه.
- رد فعل حماس: تجنبت حماس في البداية الرد المباشر على تهديد ترامب، وركزت على استمرار المفاوضات غير المباشرة بشأن التهدئة، مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. إلا أن قيادات في الحركة أبدت رفضها لأي إملاءات خارجية، مشددة على أن قرار وقف النار أو التصعيد هو قرار فلسطيني بحت.
 - الموقف الإسرائيلي: رحبت إسرائيل بالضغط الأمريكي على حماس، واعتبرته تأكيدًا على موقفها بأن الحركة منظمة إرهابية. مسؤولون إسرائيليون أشاروا إلى أنهم مستعدون لتطبيق أي إجراء ضروري لضمان أمن حدودهم، وأنه إذا لم تلتزم حماس بالتهدئة، فإنهم لن يترددوا في الرد بقوة.
 - الردود الإقليمية والدولية: أثار الإنذار الأمريكي قلقًا دوليًا من تداعيات التصعيد المحتمل. دعت دول عربية وأوروبية إلى ضبط النفس وتجنب أي خطوات من شأنها أن تقوض جهود التهدئة وتزيد من معاناة سكان غزة. اعتبرت بعض الأطراف أن لغة التهديد المباشر قد تزيد من تصلب المواقف وتعرقل أي فرص للسلام على المدى الطويل.
 
المستقبل المحتمل والآفاق الدبلوماسية
على الرغم من لهجة ترامب القوية، فإن التهديد بـ«الاستئصال» لم يتحقق بشكل كامل خلال فترة ولايته. استمرت جولات متقطعة من التصعيد والتهدئة، وظلت اتفاقيات وقف إطلاق النار برعاية مصرية قطرية سارية بشكل متقطع. هذا يشير إلى أن التهديد، وإن كان جادًا، كان يهدف أيضًا إلى ممارسة أقصى درجات الضغط لتحقيق التزام حماس بالهدوء، وربما كان جزءًا من استراتيجية أوسع لإضعاف الحركة وفتح الباب أمام تسوية إقليمية كانت الإدارة الأمريكية تسعى إليها.
تبقى قضية غزة وحماس في صلب أي محاولة لإحلال السلام في المنطقة. فالإنذار الأمريكي يسلط الضوء على عمق التحديات التي تواجه أي جهود للتهدئة أو السلام في ظل غياب رؤية سياسية شاملة ومقبولة من جميع الأطراف. مستقبل القطاع، وقدرة حماس على البقاء والتعامل مع هذه الضغوط، سيعتمد بشكل كبير على التوازنات الإقليمية والدولية، وعلى قدرتها على التكيف مع التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقدة.



