قضية الإيجار القديم تصل للقضاء الإداري: دعوى تطالب بتعديل القانون وحل الأزمة
في خطوة قضائية جديدة لافتة، دخل ملف قانون الإيجار القديم الشائك مرحلة جديدة من التطورات، حيث يترقب الملايين من الملاك والمستأجرين في مصر مسار دعوى قضائية هامة أُقيمت أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة. وقد حظيت هذه القضية باهتمام واسع بعد تحديد المحكمة جلسة 8 نوفمبر لنظر أولى جلساتها، مما أعاد تسليط الضوء على واحدة من أكثر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية استمرارية في البلاد.
خلفية عن أزمة الإيجار القديم
تعود جذور أزمة قانون الإيجار القديم إلى عدة عقود، حيث صدرت قوانين استثنائية في منتصف القرن العشرين لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، ونصت على تجميد القيمة الإيجارية للوحدات السكنية وغير السكنية عند مستويات منخفضة للغاية ومنع المالك من إنهاء العقد. ومع مرور الزمن والتغيرات الاقتصادية الهائلة، أدت هذه القوانين إلى وضع غير متوازن، حيث يدفع المستأجرون قيماً إيجارية زهيدة لا تتناسب مع القيمة الحقيقية للعقارات، بينما يعاني الملاك من عدم القدرة على استغلال ممتلكاتهم أو الحصول على عائد عادل منها.
شهد الملف بعض التحركات التشريعية في السنوات الأخيرة، كان أبرزها إصدار القانون رقم 10 لسنة 2022، الذي عالج وضع الوحدات المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن (مثل الشركات والمكاتب). وقد وضع هذا القانون فترة انتقالية مدتها خمس سنوات لإنهاء هذه العقود، لكنه لم يتطرق إلى الوحدات السكنية التي تمثل الجزء الأكثر تعقيدًا وحساسية في الأزمة.
تفاصيل الدعوى القضائية الجديدة
الدعوى القضائية الأخيرة التي تنظرها محكمة القضاء الإداري أقامها المحامي أحمد الدربي، وكيلاً عن أحد المواطنين. لا تطالب هذه الدعوى المحكمة مباشرة بتغيير قيمة الإيجارات أو طرد المستأجرين، بل تهدف إلى إلزام الجهات التنفيذية والتشريعية بالقيام بدورها. تستهدف الدعوى بشكل أساسي رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، مطالبة المحكمة بإصدار حكم يجبرهما على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم مشروع قانون جديد لمجلس النواب يعالج الخلل في العلاقة الإيجارية للوحدات السكنية.
يستند مقيم الدعوى إلى أن استمرار الوضع الحالي يمثل مخالفة دستورية لمبادئ العدالة الاجتماعية وحماية الملكية الخاصة، ويطالب بضرورة تدخل تشريعي عاجل لتحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، وإنهاء الجمود الذي استمر لعقود طويلة.
دور محكمة القضاء الإداري
من المهم فهم أن اختصاص محكمة القضاء الإداري في هذه القضية لا يتعلق بتعديل بنود القانون مباشرة، فهذا دور السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب. ينحصر دور المحكمة في الرقابة على قرارات الإدارة وامتناعها عن اتخاذ قرارات كان من الواجب عليها اتخاذها. في هذه الحالة، ستنظر المحكمة فيما إذا كان امتناع الحكومة والبرلمان عن تقديم تشريع جديد لمعالجة الأزمة يشكل "قراراً سلبياً" مخالفاً للقانون والدستور.
وعليه، فإن جلسة الثامن من نوفمبر لم تكن جلسة لإصدار حكم نهائي في الأزمة، كما أشاعت بعض العناوين، بل كانت خطوة إجرائية لبدء نظر الدعوى والاستماع إلى أطرافها. مسار القضية قد يكون طويلاً، لكن مجرد قبول المحكمة لنظرها يمثل تطوراً مهماً.
الأهمية والتأثير المحتمل
تكمن أهمية هذه الدعوى في أنها تفتح مساراً قضائياً جديداً للضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية للتحرك. ففي حال أصدرت المحكمة حكماً يلزم الحكومة بتقديم مشروع قانون، سيشكل ذلك دفعة قوية نحو إيجاد حل تشريعي طال انتظاره. يراقب الملاك هذه القضية بأمل كبير في أن تكون بداية النهاية لمعاناتهم، بينما يتابعها المستأجرون بقلق من أي تغييرات قد تؤثر على استقرارهم السكني.
في الختام، لا تزال قضية الإيجار القديم بعيدة عن الحل النهائي، لكن هذه الدعوى أمام القضاء الإداري تمثل محاولة جادة لتحريك المياه الراكدة. وستكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا المسار القضائي سينجح في إجبار المشرّع على مواجهة الأزمة بشكل مباشر وشامل.





