لبنان.. جدل حاد وردود فعل متضاربة بعد قرار قضائي حول هنيبال القذافي
شهدت الأوساط اللبنانية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً أعقب قراراً قضائياً يتعلق بإمكانية الإفراج عن هنيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مما أثار موجة من ردود الفعل المتباينة بين مؤيد ومعارض. فبينما يطالب البعض بالإفراج عنه لأسباب إنسانية وقانونية، يصر آخرون على استمرار احتجازه حتى الكشف عن مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه المفقودين.

خلفية القضية: اختفاء الإمام موسى الصدر
تعود جذور قضية هنيبال القذافي إلى حادثة اختفاء الإمام موسى الصدر، مؤسس حركة أمل اللبنانية، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، في ليبيا عام 1978. كان الإمام الصدر في زيارة رسمية إلى ليبيا عندما اختفى هو ورفيقاه في ظروف غامضة، ولم يظهر لهم أثر منذ ذلك الحين. وقد حمّل لبنان نظام معمر القذافي المسؤولية الكاملة عن هذا الاختفاء الذي يعتبر جرحاً عميقاً في الذاكرة اللبنانية، ولا سيما لدى الطائفة الشيعية التي يمثلها الإمام الصدر رمزاً دينياً ووطنياً بارزاً.
في عام 2015، جرى تسليم هنيبال القذافي إلى السلطات اللبنانية بعد اختطافه من سوريا. ومنذ ذلك الحين، احتجز القذافي الابن بتهمة إخفاء معلومات تتعلق بقضية الإمام الصدر، واعتبرته السلطات اللبنانية شاهداً رئيسياً أو متهماً محتملاً في هذه القضية الحساسة. وقد أمضى هنيبال القذافي سنوات طويلة في السجون اللبنانية، مما أثار قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وشرعية استمرار احتجازه دون محاكمة نهائية، لاسيما وأنه كان طفلاً صغيراً عند وقوع حادثة الاختفاء.
قرار قضائي يثير الجدل
في تطور لافت، وردت أنباء عن قرار قضائي حديث، أو على الأقل مداولات قضائية متقدمة، تتعلق بوضعية احتجاز هنيبال القذافي، وتحديداً حول إمكانية الإفراج عنه بشروط أو النظر في طلبات الإفراج المؤقت أو لأسباب صحية. ورغم أن هذا القرار لم يؤدِ إلى إطلاق سراحه الفعلي الكامل حتى الآن، إلا أنه أثار ردود فعل فورية وعميقة في الشارع اللبناني والدوائر السياسية والقضائية.
وقد جاء هذا الجدل في سياق تدهور الحالة الصحية لهنيبال القذافي، الذي أعلن مراراً إضرابه عن الطعام احتجاجاً على استمرار احتجازه، مما دفع منظمات حقوقية وجمهورية ليبيا إلى المطالبة بالإفراج عنه أو على الأقل نقله لتلقي العلاج اللازم. وقد تضمنت هذه المداولات القضائية تقييمات للوضع الصحي للقذافي ومراجعة للملف القانوني لاحتجازه.
الردود المؤيدة والمعارضة
المؤيدون للإفراج: دعوات إنسانية وحقوقية
-
الوضع الصحي: يشدد المطالبون بالإفراج عن هنيبال القذافي على تدهور حالته الصحية نتيجة لسنوات السجن والإضرابات المتكررة عن الطعام، معتبرين أن استمرار احتجازه في هذه الظروف يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية.
-
الشرعية القانونية: يرى البعض أن المدة الطويلة للاحتجاز دون محاكمة نهائية أو إدانة واضحة، خاصة بالنظر إلى صغر سنه وقت اختفاء الإمام الصدر، تثير تساؤلات حول الشرعية القانونية لاستمرار حبسه.
-
الموقف الليبي: طالبت السلطات الليبية مراراً وتكراراً بالإفراج عن هنيبال القذافي وتسليمه إليها، مؤكدة على أنه مواطن ليبي ومشددة على ضرورة حمايته واحترام حقوقه.
-
غياب المعلومات: يجادل البعض بأنه لم يثبت بعد أن هنيبال القذافي يمتلك معلومات حاسمة حول مصير الإمام الصدر، وأن استمرار احتجازه كرهينة لانتزاع معلومات قد لا يمتلكها هو أمر غير عادل.
المعارضون للإفراج: إصرار على كشف الحقيقة
-
عائلة الإمام الصدر: تُعد عائلة الإمام موسى الصدر وحركة أمل من أبرز المعارضين لأي قرار يتعلق بإطلاق سراح هنيبال القذافي. فهم يؤمنون بأنه يمتلك معلومات حيوية حول مصير الإمام الصدر ورفيقيه، ويجب أن يظل محتجزاً حتى يكشف هذه المعلومات.
-
رمزية القضية: بالنسبة للطائفة الشيعية في لبنان، تمثل قضية الإمام الصدر مسألة حساسة للغاية تتجاوز الجانب القانوني لتلامس الوجدان الديني والوطني. ويعتبرون أي تهاون في هذه القضية خيانة لذاكرة الإمام وجمهوره.
-
العدالة للضحايا: يصر المعارضون على أن العدالة تتطلب الكشف عن الحقيقة ومحاسبة المتورطين في اختفاء الإمام ورفيقيه، وأن هنيبال القذافي قد يكون مفتاحاً لذلك.
التداعيات السياسية والقانونية
يضع هذا الجدل القضاء اللبناني والحكومة في موقف حرج، إذ يتعين عليهما الموازنة بين الضغوط الداخلية والخارجية. فمن جهة، هناك مطالبات حقوقية ودولية (ومن ليبيا) بالإفراج عن هنيبال القذافي، ومن جهة أخرى، هناك ضغوط سياسية قوية من عائلة الإمام الصدر وحركة أمل التي تتمتع بنفوذ واسع في لبنان، والتي ترفض رفضاً قاطعاً أي خطوة قد تؤدي إلى إطلاق سراحه قبل الكشف عن مصير الإمام.
إن هذه القضية المعقدة ليست مجرد مسألة قانونية بحتة، بل تتخللها أبعاد سياسية وطائفية عميقة تؤثر على الاستقرار الداخلي في لبنان. وتظل السلطات اللبنانية تواجه تحدياً كبيراً في إيجاد حل يحترم العدالة ويكشف الحقيقة، ويراعي في الوقت نفسه حقوق المحتجز والضغط الشعبي والسياسي.
تظل قضية هنيبال القذافي محط متابعة دقيقة، وتشكل اختباراً لاستقلالية القضاء اللبناني وقدرته على التعامل مع ملفات شائكة ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية.





