لقاء البرهان والسيسي بالقاهرة: شروط الجيش السوداني لإنهاء الحرب تتصدر المباحثات
في خطوة دبلوماسية بارزة، التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مدينة العلمين المصرية يوم 29 أغسطس 2023. شكلت هذه الزيارة، وهي الأولى للبرهان خارج السودان منذ اندلاع الصراع المسلح في منتصف أبريل من العام نفسه، محطة محورية في جهوده لحشد الدعم الإقليمي وعرض رؤية الجيش السوداني لإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد.

خلفية الزيارة وأهميتها الدبلوماسية
جاءت زيارة البرهان إلى القاهرة في ظل استمرار الحرب الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لأكثر من أربعة أشهر. قبل هذه الزيارة، كان البرهان متحصناً في مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وكان ظهوره في مصر بمثابة تأكيد على قدرته على التحرك وتأدية مهامه كرئيس للدولة. لم يكن اختيار مصر كوجهة أولى عشوائياً، بل عكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والدور المصري المحوري في الملف السوداني، حيث تعتبر القاهرة داعماً تقليدياً للمؤسسة العسكرية السودانية.
هدفت الزيارة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، من بينها كسر العزلة الدبلوماسية التي فرضتها الحرب، وتأكيد شرعيته كقائد فعلي للبلاد، بالإضافة إلى تنسيق المواقف مع القاهرة التي أطلقت مبادرة دول الجوار لحل الأزمة السودانية في يوليو 2023، وهي المبادرة التي رحب بها الجيش السوداني.
أبرز محاور المباحثات وشروط وقف إطلاق النار
تركزت المحادثات بين البرهان والسيسي بشكل أساسي على تطورات الوضع في السودان والجهود المبذولة لوقف القتال. ووفقاً للتصريحات الرسمية التي أعقبت اللقاء، عرض البرهان رؤية قيادة الجيش لإنهاء الصراع، والتي تستند إلى مجموعة من الشروط الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها. يمكن تلخيص هذه الشروط في النقاط التالية:
- رفض التفاوض مع قيادة "التمرد": أكد البرهان أن الجيش يقاتل لإنهاء ما وصفه بـ "تمرد" قوات الدعم السريع، مشدداً على عدم وجود مجال للتفاوض مع قيادتها الحالية ما لم يتم الالتزام بإنهاء العمليات العسكرية.
 - الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية: شددت رؤية الجيش على ضرورة وجود جيش وطني واحد وموحد، رافضةً أي مقترحات قد تؤدي إلى إيجاد وضع يوازي بين الجيش الرسمي وكيان عسكري آخر.
 - تشكيل حكومة مدنية انتقالية: أوضح البرهان أن الهدف النهائي بعد إنهاء الصراع هو الانتقال إلى حكم مدني عبر فترة انتقالية قصيرة تفضي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
 
من جانبه، أكد الرئيس السيسي على موقف مصر الثابت والداعم لأمن السودان واستقراره ووحدة أراضيه، معرباً عن تقدير مصر الكامل لسيادة السودان وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية.
تداعيات اللقاء ومستقبل الأزمة
اعتبر مراقبون أن لقاء القاهرة منح البرهان زخماً دبلوماسياً مهماً، حيث أعقبه بجولات إقليمية شملت جنوب السودان وقطر وتركيا. هذه التحركات سعت إلى بناء جبهة دولية داعمة لموقف الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، التي كانت بدورها تقوم بأنشطة دبلوماسية موازية.
على الرغم من الأهمية الرمزية للزيارة، إلا أنها لم تؤدِ إلى انفراجة فورية في مسار الأزمة. استمرت المعارك العنيفة في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان، وظلت المواقف بين الطرفين متباعدة للغاية. ففي حين يضع البرهان شروطاً ترتكز على القضاء على قوات الدعم السريع ككيان عسكري موازٍ، تتمسك قيادة الدعم السريع بضرورة إعادة هيكلة شاملة للقطاع الأمني والعسكري كشرط لأي تسوية سياسية.
وبهذا، يظل المشهد السوداني معقداً، حيث تتشابك الجهود الدبلوماسية الإقليمية، مثل المبادرة المصرية ومباحثات جدة التي ترعاها السعودية والولايات المتحدة، مع واقع ميداني دموي لم تتغير معالمه بشكل جذري بعد لقاء القاهرة.





