لمواجهة التهديد الروسي: الاتحاد الأوروبي يدعو لتعزيز الدفاعات ضد الطائرات المسيرة
في ظل التحولات العميقة التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا على المشهد الأمني الأوروبي، تتجه الأنظار بشكل متزايد نحو ضرورة تطوير قدرات دفاعية مشتركة لمواجهة التهديدات الجديدة. وفي هذا السياق، برزت دعوات قوية داخل الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الأخيرة لإنشاء نظام دفاعي متكامل مضاد للطائرات المسيرة، استجابة مباشرة للدروس المستفادة من استخدام روسيا المكثف لهذه التكنولوجيا في النزاع الأوكراني.
خلفية التهديد المتزايد
أظهرت ساحة المعركة في أوكرانيا بوضوح الدور المحوري الذي تلعبه الطائرات بدون طيار (المسيرات) في الحروب الحديثة. لقد استخدمت روسيا أسرابًا من المسيرات، بما في ذلك طائرات شاهد إيرانية الصنع، لشن هجمات واسعة النطاق استهدفت البنية التحتية الحيوية والمدن الأوكرانية. كشفت هذه الهجمات عن نقاط ضعف كبيرة في أنظمة الدفاع الجوي التقليدية، التي صُممت في الأساس للتعامل مع طائرات مقاتلة وصواريخ أكبر وأسرع وأعلى تحليقًا، بينما تجد صعوبة في رصد واعتراض الأهداف الصغيرة والبطيئة والمنخفضة التكلفة التي تمثلها المسيرات.
هذا الواقع الجديد دفع القادة الأوروبيين إلى إعادة تقييم قدراتهم الدفاعية، حيث أصبحت حماية البنية التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة والمطارات والموانئ من هجمات محتملة بالمسيرات أولوية ملحة. لم يعد التهديد يقتصر على السيناريوهات العسكرية التقليدية، بل امتد ليشمل الأمن الداخلي للدول الأعضاء في الاتحاد.
التحرك الأوروبي نحو دفاع مشترك
دعا مسؤولون بارزون في الاتحاد الأوروبي، من بينهم الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إلى تبني نهج جماعي ومنسق. ويقوم المنطق وراء هذه الدعوة على أن إنشاء 27 نظامًا دفاعيًا وطنيًا منفصلاً سيكون مكلفًا للغاية وغير فعال، بينما يوفر النظام الأوروبي المشترك مزايا استراتيجية واقتصادية كبيرة. يهدف هذا التحرك إلى بناء ما يمكن وصفه بـ "درع أوروبي مضاد للمسيرات"، قادر على توفير حماية شاملة لسماء القارة.
تتمثل الأهداف الرئيسية لهذا المشروع الطموح في:
- تطوير شبكة متكاملة من أجهزة الاستشعار والرادارات قادرة على كشف وتتبع الطائرات المسيرة المعادية على نطاق واسع.
- امتلاك مجموعة متنوعة من الوسائل لتحييد هذه التهديدات، تشمل الحرب الإلكترونية والتشويش، وأسلحة الطاقة الموجهة (الليزر)، بالإضافة إلى الصواريخ الاعتراضية التقليدية.
- ضمان التشغيل البيني بين القوات المسلحة للدول الأعضاء، مما يسمح بتبادل المعلومات والاستجابة السريعة لأي هجوم.
المبادرات المطروحة والتحديات
تأتي هذه النقاشات في وقت تكتسب فيه مبادرات دفاعية أخرى زخمًا، وأبرزها "مبادرة درع السماء الأوروبي" (ESSI) التي تقودها ألمانيا. ورغم أن هذه المبادرة تركز بشكل أوسع على الدفاع الصاروخي، إلا أنها تشكل إطارًا يمكن أن تندرج تحته جهود الدفاع ضد المسيرات. ومع ذلك، تواجه هذه المبادرات تحديات سياسية كبيرة، أبرزها الموقف الفرنسي. إذ تعارض فرنسا الاعتماد على أنظمة دفاعية من خارج الاتحاد الأوروبي، مثل الأنظمة الأمريكية أو الإسرائيلية التي تفضلها مبادرة ESSI، وتدعو بدلاً من ذلك إلى الاستثمار في تطوير وشراء أنظمة أوروبية الصنع لتعزيز القاعدة الصناعية والدفاعية للقارة وتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية.
إلى جانب الخلافات السياسية، هناك تحديات فنية ومالية ضخمة. يتطلب بناء مثل هذا الدرع استثمارات بمليارات اليوروهات، بالإضافة إلى التوصل إلى اتفاق حول المعايير التقنية الموحدة لضمان توافق الأنظمة المختلفة مع بعضها البعض، وهو أمر معقد في ظل تنوع الصناعات الدفاعية الوطنية.
الأهمية الاستراتيجية للمستقبل
يعكس التركيز المتزايد على الدفاع ضد المسيرات تحولًا استراتيجيًا في فكر الاتحاد الأوروبي الأمني. فبعد عقود من الاعتماد على مظلة الحماية التي توفرها الولايات المتحدة عبر حلف الناتو، يسعى الاتحاد الآن إلى تحمل مسؤولية أكبر عن أمنه. إن بناء قدرة دفاعية مستقلة وفعالة ضد المسيرات لا يمثل فقط رد فعل على التهديد الروسي الحالي، بل هو استثمار في الاستعداد لمواجهة طبيعة الصراعات المستقبلية التي ستكون فيها الأنظمة غير المأهولة جزءًا لا يتجزأ من أي مواجهة عسكرية أو تهديد أمني. وبالتالي، يُنظر إلى هذا المشروع على أنه خطوة أساسية على طريق تحقيق "الاستقلالية الاستراتيجية" التي طالما نادى بها الاتحاد الأوروبي.





