مبادرة فريدة في معرض الشارقة للكتاب: أطفال يحولون لوحات تاريخية إلى فن حديث ثلاثي الأبعاد
شهدت الدورة الرابعة والأربعون من معرض الشارقة الدولي للكتاب مؤخرًا مبادرة فنية مبتكرة استقطبت اهتمام الزوار، حيث تحوّل أطفال صغار إلى فنانين مبدعين، وأعادوا تعريف العلاقة بين الفن الكلاسيكي والأساليب الفنية المعاصرة. لقد استلهم المشاركون الصغار أعمالهم من لوحات فنية عالمية خالدة، ليضفوا عليها لمسة خاصة ويقدموها بمنظور جديد تمامًا عبر تقنيات الفن ثلاثي الأبعاد.

خلفية المبادرة وأهدافها
لطالما عُرفت الشارقة بكونها منارة للثقافة والفنون، وتأتي هذه المبادرة ضمن جهود الإمارة المستمرة لتعزيز التذوق الفني وتشجيع الإبداع لدى النشء. في قلب هذه الفعالية، جلس الأطفال المشاركون أمام مختارات من أشهر اللوحات الفنية العالمية، متأملين تفاصيلها الدقيقة وخطوطها وألوانها. لم تكن هذه مجرد ورشة رسم تقليدية، بل كانت تجربة غامرة تهدف إلى غرس بذور التقدير الفني للقطع التاريخية، مع تمكين الأطفال من التعبير عن فهمهم ورؤيتهم الفنية الخاصة بطرق مبتكرة. الهدف الأساسي هو سد الفجوة بين الأجيال والفنون الكلاسيكية، وجعلها أكثر قربًا وتفاعلًا مع العقلية الحديثة.
من خلال توفير بيئة تعليمية محفزة، سعت المبادرة إلى تحقيق عدة أهداف:
- تشجيع الإبداع: تحفيز الأطفال على التفكير خارج الصندوق وإعادة تصور الأعمال الفنية المعروفة.
- تعزيز الثقافة الفنية: تعريفهم بكنوز الفن العالمي وتاريخه بطريقة ممتعة وتفاعلية.
- تطوير المهارات: إكسابهم مهارات جديدة في استخدام التقنيات الفنية الحديثة، وتحديداً الفن ثلاثي الأبعاد.
- بناء جسور بين الأجيال: ربطهم بالتراث الفني عبر عدسة الابتكار المعاصر.
الجانب التفاعلي والتقني
لم يقتصر دور الأطفال على مجرد التقليد أو المحاكاة؛ بل تجاوزوه إلى مستوى أعمق من التحويل الفني. باستخدام مواد وأدوات إبداعية، تمكنوا من تفكيك العناصر البصرية للوحات الأصلية وإعادة تجميعها في صيغ ثلاثية الأبعاد. وقد شمل ذلك استخدام مواد مختلفة مثل الصلصال، الورق المقوى، الألوان، والمجسمات الصغيرة لإضافة عمق وواقعية إلى الأعمال الفنية المسطحة الأصلية.
تحت إشراف فنانين ومربين متخصصين، تعلم الأطفال كيفية تحليل اللوحات التاريخية مثل الموناليزا أو ليلة النجوم (كمثال على لوحات عالمية يمكن أن تكون مختارة)، وكيفية اختيار العناصر التي يمكن إبرازها بشكل ثلاثي الأبعاد لإعطاء اللوحة بُعدًا جديدًا. هذه العملية لم تكن مجرد حرفة يدوية، بل كانت تمرينًا عقليًا وتجربة حسية غنية، حيث تمكن الأطفال من لمس وتشكيل الفن، مما يعزز فهمهم له بطريقة تتجاوز مجرد المشاهدة السلبية.
أهمية الحدث ودوره الثقافي
تُبرز هذه المبادرة في معرض الشارقة الدولي للكتاب دور المعارض الثقافية الحديثة كمنصات لا تقتصر على عرض الكتب فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من الأنشطة التفاعلية التي تثري المجتمع. من خلال دمج الفن البصري مع الأدب والمعرفة، يقدم المعرض تجربة متكاملة تعزز من جاذبيته كمركز ثقافي حيوي.
إن إشراك الأطفال في مثل هذه الأنشطة لا يساهم فقط في تطوير قدراتهم الفنية، بل يغذي روح الابتكار لديهم ويدعم ثقتهم بأنفسهم كصناع محتوى ومبدعين. كما أنه يبعث برسالة قوية حول أهمية الفن كأداة تعليمية وتعبيرية، وكيف يمكن للفن أن يكون جسرًا يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، مقدمًا منظورًا جديدًا للأجيال القادمة لتفسير وتقدير التراث الإنساني.
بشكل عام، تعكس هذه المبادرة التزام الشارقة بتعزيز بيئة ثقافية حيوية تُقدر الفن بمختلف أشكاله، وتستثمر في المواهب الشابة لضمان استمرارية الإبداع الفني للأجيال القادمة.




