مذاقات ثقافية: اللقيمات اليونانية وفطائر الهيل تزين معرض الشارقة للكتاب
بعيداً عن الأروقة المعتادة للكتب والروايات، شهدت الأجواء الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب تحولاً فريداً من نوعه مؤخراً. فبينما كان الزوار يتصفحون أحدث الإصدارات الأدبية، امتلأ الهواء بعبق شهي يعكس نكهات من ثقافات متنوعة. هذا المزيج غير المتوقع من الأدب وفنون الطهي، الذي انطلق في الخامس من نوفمبر واستمر حتى السادس عشر من نوفمبر، قدم تجربة حسية غنية تتجاوز مجرد القراءة، مقدمًا اللقيمات اليونانية وفطائر الهيل كجزء لا يتجزأ من سرد ثقافي أوسع نطاقاً.

معرض الشارقة الدولي للكتاب: ملتقى الثقافات
يُعد معرض الشارقة الدولي للكتاب واحداً من أبرز الفعاليات الثقافية على الأجندة العالمية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل يتجاوزها ليصبح محطة رئيسية للناشرين والكتاب والقراء من جميع أنحاء العالم. على مدى سنوات، رسخ المعرض مكانته كمنصة لتبادل المعرفة، وتشجيع القراءة، والاحتفاء بالتنوع الثقافي. لطالما التزمت الشارقة، التي أُعلنت عاصمة عالمية للكتاب، برؤيتها في تعزيز الحوار الحضاري من خلال الأدب والفنون. وتكمن أهمية هذا الحدث في قدرته على جذب الملايين وتقديم برامج ثقافية غنية تشمل ورش عمل وندوات وتوقيعات كتب، مما يجعله أكثر من مجرد سوق للكتب، بل مركزاً للتفاعل الفكري والإبداعي.
عندما يلتقي الأدب بالطهي: الغذاء كسرد ثقافي
إن دمج فنون الطهي في فعاليات معرض الشارقة للكتاب يمثل توجهاً استراتيجياً لتوسيع مفهوم الثقافة ليشمل تجارب حسية أعمق. فالغذاء ليس مجرد وسيلة للبقاء، بل هو حامل قوي للتاريخ، والهوية، والتقاليد. كل طبق يحكي قصة عن أصوله، وكيفية تطوره، والظروف الاجتماعية التي نشأ فيها. من هذا المنطلق، لم تكن اللقيمات اليونانية وفطائر الهيل مجرد أطعمة مقدمة في المعرض، بل كانت تمثل "سردًا ثقافيًا" ملموسًا، يتيح للزوار التفاعل مع ثقافات مختلفة بطريقة فريدة ومبتكرة. إن هذه المبادرة تؤكد على أن فهم الثقافات يتجاوز النصوص المكتوبة ليطال مذاقاتها وروائحها وطقوسها.
اللقيمات اليونانية وفطائر الهيل: رحلة عبر المذاقات
تعتبر اللقيمات اليونانية، أو "لوكوماديس" كما تعرف في موطنها الأصلي، حلوى شرقية-متوسطية عريقة. هي عبارة عن كرات صغيرة من العجين المقلي الذهبي، تُغمّس عادة في شراب السكر أو العسل وتُزيّن بالقرفة أو المكسرات. تاريخياً، تعود جذور اللقيمات إلى اليونان القديمة، حيث كانت تُقدم للفائزين في الألعاب الأولمبية، مما يرمز إلى الفخر والاحتفاء. أما فطائر الهيل، فهي تجسد جانباً آخر من التراث الغني للمنطقة. الهيل، أو الكرادمون، هو توابل ثمينة لها تاريخ طويل في تجارة التوابل والطعام العربي والآسيوي. تُصنع هذه الفطائر من عجينة خفيفة معطرة بالهيل وتُقلى لتصبح ذهبية ومقرمشة، لتترك طعماً دافئاً ومميزاً. يعكس كل من الطبقين، بطريقته الخاصة، تراثاً غنياً يمتد لقرون، مقدمًا للزوار لمحة عن عادات الطهي التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من هوية الشعوب.
تفاعل حسي يثري تجربة الزوار
لم يقتصر الأمر على مجرد تقديم هذه الأطباق، بل اشتملت التجربة على عروض طهي حية وورش عمل تفاعلية، حيث تمكن الزوار من مشاهدة عملية تحضير اللقيمات وفطائر الهيل خطوة بخطوة. كانت رائحة العجين الطازج، والهيل العطري، وزيت القلي الساخن تملأ الأجواء، مما خلق بيئة حسية غامرة. هذه التفاعلات لم تضف بعداً ترفيهياً فحسب، بل عمّقت أيضاً تقدير الزوار للثقافات التي تمثلها هذه الأطعمة. لقد تحول المعرض من مجرد مساحة للقراءة الصامتة إلى ملتقى حيوي يضج بالأصوات والروائح والمذاقات، مقدماً تجربة تعليمية وترفيهية شاملة للجميع، من عشاق الأدب إلى المهتمين بفنون الطهي.
الشارقة: نموذج للدمج الثقافي
تؤكد هذه المبادرة في معرض الشارقة الدولي للكتاب على التزام الإمارة بكونها مركزاً ثقافياً رائداً يحتفي بالتنوع ويشجع على التفاعل بين مختلف الحضارات. من خلال دمج المأكولات التقليدية من مناطق جغرافية مختلفة، لا يروج المعرض لثقافة الطهي فحسب، بل ينسج أيضاً خيوطاً تربط بين الشعوب من خلال تجارب مشتركة. هذا النهج الشمولي للثقافة يعكس رؤية الشارقة في تقديم المعرفة ليس فقط من خلال الكتب، ولكن عبر جميع أشكال التعبير الفني والتقليدي، مما يعزز مكانتها كمدينة تجمع بين الماضي العريق والحاضر المزدهر والمستقبل الواعد في آن واحد.
في الختام، يبرز معرض الشارقة الدولي للكتاب كمثال حي على كيفية تطور الفعاليات الثقافية لتقدم تجارب أكثر عمقاً وتنوعاً. إن إدماج اللقيمات اليونانية وفطائر الهيل، كنقطة محورية في هذا "السرد الثقافي"، لم يثرِ حاسة التذوق لدى الزوار فحسب، بل فتح أيضاً نافذة على تاريخ وعادات وتقاليد شعوب مختلفة، مؤكداً أن الثقافة هي نسيج غني يتكون من الأدب والفن والموسيقى، وبالتأكيد، الطعام.





