محكمة العدل الدولية تؤكد على التزامات إسرائيل الإغاثية وتبرئ الأونروا من اتهامات الارتباط بحماس
في قرار مهم صدر في سياق القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير فورية وفعالة لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى قطاع غزة لمواجهة الظروف المعيشية الكارثية. جاء هذا الأمر القضائي ليؤكد على المسؤوليات القانونية الملقاة على عاتق إسرائيل بموجب القانون الدولي، وفي الوقت نفسه، قوّض بشكل غير مباشر الادعاءات الإسرائيلية التي استهدفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي شكلت محور حملة لوقف تمويلها وعرقلة عملها.

خلفية القضية والاتهامات الإسرائيلية
تعود جذور هذا التطور إلى الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا في ديسمبر 2023 أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي إطار هذه القضية، طلبت جنوب أفريقيا إصدار تدابير مؤقتة عاجلة لحماية السكان. بالتوازي مع الإجراءات القانونية، أطلقت إسرائيل في يناير 2024 اتهامات خطيرة ضد 12 موظفًا في الأونروا، زعمت فيها تورطهم في هجمات 7 أكتوبر. أدت هذه الادعاءات إلى قيام أكثر من 16 دولة مانحة، على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، بتعليق تمويلها للوكالة بشكل فوري، مما هدد بتوقف عملياتها الحيوية في وقت كانت فيه الأزمة الإنسانية تصل إلى مستويات غير مسبوقة.
قرار محكمة العدل الدولية وتفاصيله
في 28 مارس 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرًا إضافيًا للتدابير المؤقتة، استجابةً لتدهور الوضع الإنساني وظهور بوادر مجاعة في غزة. شدد القرار على ضرورة قيام إسرائيل، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة، بضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل، بما في ذلك الغذاء والماء والوقود والمأوى واللوازم الطبية، دون أي قيود. ورغم أن القرار لم يذكر الأونروا بالاسم في كل فقراته، إلا أن تأكيده على ضرورة التعاون مع "الأمم المتحدة" كان يُفهم على نطاق واسع بأنه يشمل بالضرورة الأونروا، باعتبارها أكبر منظمة أممية عاملة على الأرض في غزة والجهة الرئيسية لتوزيع المساعدات. وبذلك، رفضت المحكمة ضمنيًا المبررات الإسرائيلية لتقييد المساعدات بناءً على الاتهامات الموجهة للوكالة، معطية الأولوية المطلقة للحاجة الإنسانية.
تطورات لاحقة وتقرير كولونا المستقل
في أعقاب الأزمة التي أثارتها الاتهامات، كلّف الأمين العام للأمم المتحدة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاثرين كولونا، بقيادة مراجعة مستقلة لآليات عمل الأونروا فيما يتعلق بمبدأ الحياد. صدر تقرير كولونا في أبريل 2024، وقدم نتائج مهمة أثرت على مسار الأحداث. أبرز ما توصل إليه التقرير هو:
- أن إسرائيل لم تقدم بعد أدلة ملموسة لدعم ادعاءاتها بأن عددًا كبيرًا من موظفي الأونروا ينتمون إلى منظمات إرهابية.
- أن الأونروا تمتلك بالفعل آليات وسياسات قوية لضمان الحياد، تفوق تلك الموجودة في العديد من المنظمات المماثلة.
- قدم التقرير توصيات لتعزيز هذه الآليات بشكل أكبر، لا سيما في مجالات التدقيق في الموظفين والمناهج التعليمية المستخدمة في مدارسها.
هذه النتائج، إلى جانب التحقيق الداخلي الذي أجرته الأمم المتحدة، ساهمت في تبديد الكثير من الشكوك حول الوكالة وشكلت نقطة تحول دفعت العديد من الدول المانحة، بما في ذلك كندا وأستراليا وألمانيا والسويد، إلى استئناف تمويلها للأونروا.
الأهمية والتداعيات
تكمن أهمية قرار محكمة العدل الدولية ونتائج التحقيقات المستقلة في أنها أعادت تأكيد الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه للأونروا في الاستجابة الإنسانية في غزة. كما أنها عززت الموقف القانوني الدولي الذي يحمّل إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الأساسية عن ضمان احتياجات السكان المدنيين. على الصعيد العملي، ساعد استئناف التمويل الأونروا على مواصلة تقديم خدماتها الحيوية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، ليس فقط في غزة بل في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، حيث تستمر القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات، وتظل الأزمة الإنسانية في القطاع تتفاقم، مما يجعل الامتثال الكامل لقرارات المحكمة الدولية مطلبًا دوليًا ملحًا.





