محكمة نيجيرية تلزم مشاهير "تيك توك" بالزواج بسبب "الآداب العامة"
في تطور لافت أثار جدلاً واسعاً، أصدرت محكمة إسلامية (شريعة) في مدينة كانو شمال نيجيريا، حكماً قضائياً يلزم اثنين من مشاهير منصة "تيك توك" بالزواج خلال ستين يوماً. جاء هذا القرار في فبراير 2023 بعد انتشار مقطع فيديو يظهر فيه الشابان وهما يتبادلان القبل والعناق علناً، مما اعتبرته السلطات المحلية انتهاكاً صارخاً للآداب العامة والقيم الدينية السائدة في المنطقة المحافظة.

تتعلق القضية بالشاب إدريس ماي شيريا والشابة باسيرا يار غودا، اللذين اكتسبا شهرة واسعة عبر تطبيق "تيك توك". أثار الفيديو المتداول لهما غضباً شعبياً ومؤسساتياً، خاصة من قبل هيئة "شرطة الحسبة" في كانو، وهي الشرطة الدينية المكلفة بفرض الأخلاق الإسلامية ومراقبة السلوكيات في الولاية. قامت "الحسبة" باعتقال الشابين وتحويلهما إلى المحكمة الشرعية.
الخلفية والسياق: الشريعة وشرطة الحسبة في كانو
تُعد كانو واحدة من الولايات النيجيرية التي تطبق الشريعة الإسلامية إلى جانب القانون المدني، خاصة في شمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة. تلعب شرطة الحسبة دوراً محورياً في هذه الولايات، حيث تهدف إلى تعزيز الفضيلة ومنع الرذيلة وفقاً للمبادئ الإسلامية. يشمل نطاق عملها مراقبة اللباس، واستهلاك الكحول، وتفاعلات الجنسين في الأماكن العامة، والسلوكيات التي تعتبر مخالفة للشريعة والتقاليد المحلية.
لطالما كانت أنشطة "الحسبة" محل جدل، حيث يرى البعض أنها ضرورية للحفاظ على القيم الدينية والثقافية، بينما يعتبرها آخرون تدخلاً مبالغاً فيه في الحريات الشخصية وانتهاكاً لحقوق المواطنين، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تقدم مساحات جديدة للتعبير قد لا تتوافق مع التفسيرات المحافظة للأخلاق.
تفاصيل الحكم وردود الفعل
أكدت المحكمة الشرعية في حكمها أن سلوك إدريس ماي شيريا وباسيرا يار غودا يتعارض مع تعاليم الإسلام ومعايير المجتمع. وقد وافق الثنائي على الحكم، وأبدى كل منهما ندمه على الأفعال التي أدّت إلى هذا الموقف. وأوكلت المحكمة مهمة متابعة تنفيذ حكم الزواج إلى شرطة الحسبة، لضمان إتمامه في الفترة المحددة.
أثارت هذه الواقعة نقاشات واسعة النطاق داخل نيجيريا وخارجها، مسلطة الضوء على عدة قضايا محورية:
- حرية التعبير مقابل القيم الاجتماعية والدينية: هل يجب أن تكون هناك حدود للتعبير على منصات التواصل الاجتماعي في المجتمعات المحافظة؟
- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: كيف تؤثر منصات مثل "تيك توك" على الشباب وتصادمهم مع التقاليد الراسخة؟
- صلاحيات الشرطة الدينية: مدى مشروعية وحدود تدخل هيئات مثل "الحسبة" في الحياة الشخصية للمواطنين.
- المساواة الجندرية وحقوق الأفراد: مخاوف بشأن فرض الزواج كعقوبة، ومدى التزام هذه الإجراءات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
يرى مؤيدو الحكم أنه يمثل رادعاً للسلوكيات غير المقبولة ويحافظ على النسيج الأخلاقي للمجتمع، بينما ينتقده آخرون كونه انتهاكاً صارخاً للحرية الشخصية وتدخلاً غير مبرر في حياة الأفراد، محذرين من سابقة قد تؤثر على الشباب الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لأغراض ترفيهية أو للتعبير عن أنفسهم.
تداعيات وآفاق مستقبلية
تعتبر هذه القضية مثالاً بارزاً على التوتر المتزايد بين الحداثة والتقاليد في نيجيريا، وخاصة في شمالها. إنها تُسلط الضوء على التحديات التي تواجه السلطات في الموازنة بين الحفاظ على القيم الثقافية والدينية وحماية الحريات الفردية في عصر الرقمنة والانفتاح على العالم. يبقى أن نرى كيف ستتفاعل هذه المجتمعات مع التدفق المستمر للمحتوى العالمي وكيف ستتطور تفسيرات القوانين الأخلاقية والدينية في سياق التحولات الاجتماعية المتسارعة.




