مذكرة أميركية تثير جدلاً حول علاقة محتملة بين لقاحات كورونا ووفيات أطفال
أثار مستند صادر من الولايات المتحدة جدلاً واسعاً وقلقاً كبيراً بعد أن أشار إلى وجود صلة محتملة بين لقاحات فيروس كورونا ووفاة عشرة أطفال. هذه الادعاءات، التي انتشرت على نطاق واسع، استدعت ردوداً فورية من مسؤولي الصحة العامة والخبراء الطبيين الذين حذروا من استخلاص استنتاجات متسرعة بناءً على بيانات غير موثقة. وتسلط هذه الحادثة الضوء على التحديات المستمرة في إيصال المعلومات المتعلقة بسلامة اللقاحات، وإمكانية إساءة تفسير البيانات الأولية.

خلفية الادعاءات ومصدرها
يبدو أن "المذكرة" أو التقرير المثير للجدل يستند في معلوماته إلى بيانات من نظام الإبلاغ عن الأحداث الضائرة للقاحات (VAERS)، وهو نظام إنذار مبكر وطني في الولايات المتحدة تشرف عليه كل من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) وإدارة الغذاء والدواء (FDA). من الضروري فهم طبيعة هذا النظام؛ إذ يُعد VAERS أداة مراقبة سلبية تعتمد على التقارير الطوعية التي يقدمها مقدمو الرعاية الصحية أو المرضى أو أفراد أسرهم حول أي حدث صحي سلبي يقع بعد تلقي التطعيم.
تم تصميم هذا النظام بهدف الكشف عن أي مشكلات محتملة تتعلق بالسلامة أو "إشارات" قد تستدعي إجراء المزيد من التحقيقات. ومع ذلك، فإن مجرد تقديم تقرير إلى نظام VAERS لا يثبت في حد ذاته أن اللقاح هو الذي تسبب في الحدث المُبلغ عنه. قد تكون هذه التقارير غير مكتملة، أو غير دقيقة، أو قد تكون مجرد مصادفة، أو غير موثقة. يمكن أن تحدث المشاكل الصحية، بما في ذلك الوفاة، لأسباب متنوعة قد لا تكون لها أي علاقة على الإطلاق بالتطعيم الأخير. لهذا السبب، يحذر الخبراء والهيئات الصحية باستمرار من أن بيانات VAERS لا يمكن استخدامها لتحديد معدل وقوع الأحداث الضائرة أو لإثبات وجود علاقة سببية بين اللقاح ونتيجة صحية معينة.
الرد الرسمي والسياق العلمي
رداً على الادعاءات التي ربطت اللقاحات بوفيات الأطفال، أكدت السلطات الصحية الأميركية، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض، أنها تحقق بصرامة في جميع التقارير المتعلقة بالأحداث الضائرة الخطيرة. وحتى الآن، أظهرت عمليات المراقبة المكثفة والدراسات السريرية باستمرار أن لقاحات كوفيد-19 آمنة وفعالة للأطفال والمراهقين.
يتمثل الموقف الرسمي لمراكز السيطرة على الأمراض، بناءً على مراجعات شاملة لبيانات الوفيات وتقارير التشريح، في أنه لم يتم إثبات وجود صلة سببية بين لقاحات mRNA المضادة لكورونا وحالات الوفاة بين الأطفال. وفي حين تم تحديد حالات نادرة جداً من التهاب عضلة القلب والتهاب التامور كأحد المخاطر المحتملة بعد التطعيم بلقاحات mRNA، خاصة بين المراهقين الذكور والشباب، إلا أن معظم هذه الحالات تكون خفيفة ويتعافى المرضى منها بسرعة بالعلاج القياسي. والأهم من ذلك، أن خطر الإصابة بحالات قلبية مماثلة أو أكثر خطورة نتيجة للإصابة بعدوى كوفيد-19 نفسها أعلى بكثير من الخطر الناجم عن اللقاح.
أهمية السياق ومخاطر المعلومات المضللة
تؤكد هذه الحادثة على قضية أوسع في مجال الصحة العامة، وهي انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، والتي غالباً ما يغذيها سوء تفسير البيانات العلمية المعقدة. إن استخلاص أرقام أولية من قاعدة بيانات مثل VAERS خارج سياقها يمكن أن يخلق رواية مضللة ومثيرة للقلق. وقد استخدمت الجماعات المناهضة للقاحات والأفراد مراراً تقارير VAERS غير الموثقة لزرع الشك حول سلامة اللقاحات، على الرغم من التوضيحات المتكررة من المجتمع العلمي.
يكمن التحدي الذي يواجه مسؤولي الصحة العامة في توفير وصول شفاف إلى بيانات السلامة، مع تثقيف الجمهور في الوقت نفسه حول كيفية تفسير تلك البيانات بشكل صحيح. وهذا يذكرنا بأن الارتباط لا يعني السببية؛ فمجرد وقوع حدث ما بعد التطعيم لا يعني أنه حدث بسببه. يتطلب التحقق من وجود مثل هذه الصلة تحقيقاً علمياً وطبياً دقيقاً، وهو إجراء معياري تتبعه هيئات مثل إدارة الغذاء والدواء ومراكز السيطرة على الأمراض قبل استخلاص أي استنتاجات.
خلاصة الموقف
حتى تاريخ التقارير الأخيرة، تظل الادعاءات الواردة في المذكرة الأميركية غير مدعومة بأدلة من الهيئات العلمية الرسمية. ويجمع المجتمعان الطبي والعلمي العالميان على أن لقاحات كوفيد-19 آمنة إلى حد كبير للفئات العمرية المؤهلة، بما في ذلك الأطفال. وفي حين أن المراقبة المستمرة والشفافة لسلامة اللقاحات أمر ضروري، فمن المهم بنفس القدر الاعتماد على المعلومات الموثقة من السلطات الصحية المعتمدة لاتخاذ قرارات مستنيرة، والحذر من الادعاءات التي تستند إلى بيانات غير موثقة أو تم تفسيرها بشكل خاطئ.




