جدل حول مزاعم عن علاقة لقاحات كوفيد-19 بوفيات أطفال في الولايات المتحدة
شهدت الأشهر الأخيرة تداول ادعاءات عبر منصات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية تزعم وجود صلة مباشرة بين لقاحات كوفيد-19، وتحديداً تلك التي تعتمد على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، ووفاة عدد من الأطفال في الولايات المتحدة. غالبًا ما تستند هذه الادعاءات إلى تفسيرات لبيانات أولية غير مؤكدة أو تصريحات منسوبة بشكل غير دقيق إلى خبراء، مما أثار حالة من القلق والجدل حول سلامة تطعيم الأطفال.

أصل الادعاءات وسياقها
ترتبط معظم هذه المزاعم بتحليلات لبيانات صادرة عن نظام الإبلاغ عن الأحداث الضائرة للقاحات (VAERS)، وهو نظام مراقبة تديره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) وإدارة الغذاء والدواء (FDA) في الولايات المتحدة. يُعد هذا النظام أداة مهمة للسلامة العامة، حيث يسمح لأي شخص، بما في ذلك المرضى ومقدمو الرعاية الصحية، بالإبلاغ عن أي مشكلة صحية تحدث بعد التطعيم. ومع ذلك، تؤكد الجهات الصحية أن بيانات VAERS لها قيود كبيرة، فهي لا تثبت علاقة سببية بين اللقاح والحدث المُبلغ عنه. فالتقارير قد تكون غير كاملة، أو غير دقيقة، أو غير مرتبطة باللقاح على الإطلاق، ويتم استخدامها بشكل أساسي كإشارة مبكرة للكشف عن أنماط غير متوقعة تحتاج إلى مزيد من التحقيق والدراسة العلمية الدقيقة.
في كثير من الأحيان، يتم تداول أرقام محددة للوفيات المزعومة ونسبتها إلى مصادر رسمية بشكل خاطئ أو إلى خبراء تم إخراج تصريحاتهم من سياقها. على سبيل المثال، يتم أحيانًا الاستشهاد بآراء أكاديميين أو أطباء لديهم وجهات نظر نقدية لسياسات الصحة العامة، وتقديمها على أنها نتائج رسمية ومعتمدة من هيئات تنظيمية، وهو ما يساهم في نشر معلومات مضللة.
السياق العلمي: التهاب عضلة القلب كأثر جانبي نادر
يقع في صميم هذا الجدل الأثر الجانبي النادر المعروف بالتهاب عضلة القلب (Myocarditis) والتهاب التامور (Pericarditis)، وهما حالتان تتمثلان في التهاب عضلة القلب أو الغشاء المحيط بها. أقرت السلطات الصحية العالمية، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، بوجود خطر متزايد للإصابة بهاتين الحالتين بعد تلقي لقاحات mRNA، خاصة بين المراهقين الذكور والشباب بعد الجرعة الثانية. ورغم الاعتراف بهذا الخطر، تؤكد البيانات والدراسات السريرية عدة نقاط رئيسية:
- إن هذه الحالات تظل نادرة جدًا.
- معظم الحالات التي تم الإبلاغ عنها كانت خفيفة واستجاب المرضى بشكل جيد للعلاج والرعاية الطبية، مع تعافٍ كامل في الغالبية العظمى من الحالات.
- إن خطر الإصابة بالتهاب عضلة القلب ومضاعفات قلبية أخرى خطيرة نتيجة الإصابة بعدوى فيروس كوفيد-19 نفسها هو أعلى بكثير من الخطر المرتبط باللقاح.
لذلك، تواصل الهيئات الصحية التوصية باللقاح، مؤكدة أن الفوائد المعروفة والمحتملة للحماية من مرض كوفيد-19 الشديد، بما في ذلك الاستشفاء والوفاة ومتلازمة الالتهاب متعدد الأجهزة لدى الأطفال (MIS-C)، تفوق بشكل كبير المخاطر المحتملة والنادرة للقاح.
الموقف الرسمي للهيئات الصحية
تؤكد كل من إدارة الغذاء والدواء (FDA) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) استمرارها في مراقبة سلامة اللقاحات بشكل مكثف من خلال أنظمة متعددة، بما فيها VAERS وأنظمة مراقبة أخرى أكثر قوة. حتى تاريخه، لم تصدر هذه الهيئات أي بيان رسمي يربط بشكل سببي ومؤكد بين لقاحات كوفيد-19 ووفيات محددة لدى الأطفال بسبب التهاب عضلة القلب. بل على العكس، تشدد هذه المؤسسات على أن اللقاحات المعتمدة قد خضعت لتقييمات سلامة وفعالية صارمة، وتظل الأداة الأكثر فعالية للوقاية من العواقب الوخيمة للمرض.
أهمية الخبر والخلاصة
تبرز هذه القضية التحدي المستمر المتمثل في توصيل المعلومات الطبية المعقدة للجمهور في عصر تنتشر فيه المعلومات المضللة بسرعة. إن التمييز بين التقارير الأولية غير المؤكدة والاستنتاجات العلمية الراسخة أمر بالغ الأهمية. بينما يستمر البحث العلمي ومراقبة السلامة، فإن الإجماع الحالي لدى غالبية خبراء الصحة العامة والمنظمات الطبية الرائدة في جميع أنحاء العالم هو أن لقاحات كوفيد-19 آمنة وفعالة للأطفال والمراهقين، وأن فوائدها في الوقاية من الأمراض الخطيرة تفوق المخاطر النادرة المعروفة.




