حقيقة الوثائق التي ربطت لقاحات كورونا بوفيات أطفال في الولايات المتحدة
أثير جدل واسع في أواخر عام 2021 حول وثائق صادرة عن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) زُعم أنها تكشف عن علاقة مباشرة بين لقاحات كوفيد-19 ووفاة عدد من الأطفال. وقد استندت هذه الادعاءات، التي انتشرت بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تفسير غير دقيق لبيانات تم عرضها خلال اجتماع عام للجنة استشارية تابعة للإدارة، مما أدى إلى حالة من القلق وتضليل الرأي العام حول سلامة اللقاحات المخصصة للفئات العمرية الأصغر.
لكن التحليل الدقيق للسياق الذي وردت فيه هذه المعلومات والبيانات الرسمية الصادرة عن الهيئات الصحية يوضح صورة مختلفة تمامًا، حيث يؤكد الخبراء أن الوثائق لم تثبت وجود علاقة سببية، بل كانت جزءًا من عملية تقييم شفافة للمخاطر والفوائد المحتملة.
أصل الادعاءات وسياقها
تعود جذور القصة إلى اجتماع اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية ذات الصلة (VRBPAC)، التابعة لـإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، الذي عُقد في أكتوبر 2021. كان الهدف من الاجتماع هو مراجعة البيانات المقدمة من شركة فايزر-بيونتك لتقييم طلب ترخيص الاستخدام الطارئ للقاحها المضاد لكوفيد-19 للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عامًا. وخلال هذا الاجتماع العام والمتاح للجميع، تم عرض مجموعة من البيانات والتحليلات لتقييم سلامة وفعالية اللقاح.
تم تداول أجزاء من هذه العروض التقديمية خارج سياقها، وتحديدًا شريحة بيانات أشارت إلى تقارير عن وفيات بين المراهقين الذين تلقوا اللقاح. تم تقديم هذه المعلومات على أنها "تسريب" أو اعتراف رسمي من الإدارة بأن اللقاحات تسببت في هذه الوفيات، وهو ما يتنافى مع الغرض الأصلي من عرض البيانات.
طبيعة البيانات المستشهد بها: نظام VAERS
البيانات التي أثارت الجدل تم جمعها من خلال نظام الإبلاغ عن الأحداث الضائرة للقاحات (VAERS)، وهو نظام مراقبة تديره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) وإدارة الغذاء والدواء. من الضروري فهم طبيعة هذا النظام لتفسير البيانات بشكل صحيح، حيث إن له قيودًا جوهرية:
- نظام إبلاغ سلبي: يعتمد VAERS على التقارير الطوعية التي يمكن لأي شخص تقديمها، بما في ذلك المرضى وأفراد أسرهم ومقدمو الرعاية الصحية، دون الحاجة إلى إثبات طبي بأن اللقاح هو السبب المباشر للحدث المبلغ عنه.
- الارتباط لا يعني السببية: يسجل النظام أي حدث صحي يقع بعد التطعيم، بغض النظر عما إذا كان اللقاح هو المسبب أم لا. مجرد وجود تقرير في النظام لا يثبت أن اللقاح تسبب في المشكلة الصحية.
- أداة للكشف عن الإشارات: الهدف الأساسي من VAERS هو رصد الأنماط غير العادية أو "الإشارات" التي قد تتطلب مزيدًا من التحقيق العلمي الدقيق لتحديد ما إذا كانت هناك علاقة سببية حقيقية.
لذلك، فإن الإشارة إلى تقارير وفيات في نظام VAERS لا تعني أن إدارة الغذاء والدواء قد أكدت أن اللقاحات هي السبب. بل يعني أنها تقوم بمراجعة جميع التقارير كجزء من واجبها في مراقبة السلامة.
التحليل العلمي والاستنتاجات الرسمية
قامت الهيئات الصحية الأمريكية، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، بالتحقيق في التقارير المقدمة إلى نظام VAERS. وفيما يتعلق بالوفيات المبلغ عنها بعد التطعيم، خلصت التحقيقات في معظم الحالات إلى عدم وجود صلة سببية باللقاح، حيث تم تحديد أسباب أخرى للوفاة لا علاقة لها بالتطعيم.
في المقابل، أقرت الهيئات الصحية بوجود خطر نادر جدًا للإصابة بالتهاب عضلة القلب والتهاب التامور، خاصة بين الذكور المراهقين والشباب، بعد تلقي لقاحات الرنا المرسال (mRNA). ومع ذلك، أكدت الدراسات أن معظم هذه الحالات كانت خفيفة وتستجيب بشكل جيد للعلاج، ويتعافى منها المرضى تمامًا. وقد أجرت إدارة الغذاء والدواء تحليلًا دقيقًا للمخاطر والفوائد، وخلصت إلى أن فوائد اللقاح في الوقاية من مضاعفات كوفيد-19 الخطيرة، مثل دخول المستشفى والعناية المركزة والوفاة، تفوق بكثير المخاطر المحتملة والنادرة للقاح.
أهمية السياق ومكافحة المعلومات المضللة
تُعد هذه الواقعة مثالًا واضحًا على كيفية تحوير المعلومات العلمية عند إخراجها من سياقها الأصلي. إن عملية مراجعة سلامة اللقاحات عملية معقدة وتتسم بالشفافية، حيث يتم عرض جميع البيانات المتاحة، بما في ذلك التقارير غير المؤكدة، للنقاش العام والعلمي. إن استخدام هذه البيانات الأولية كدليل قاطع على وجود خطر مميت هو أمر مضلل ويقوض الثقة في الجهود الصحية العالمية.
بناءً على التقييم الشامل، أوصت اللجنة الاستشارية بالموافقة على استخدام اللقاح للأطفال، وهو ما فعلته لاحقًا إدارة الغذاء والدواء، مؤكدة على أن الأدلة العلمية تدعم سلامته وفعاليته لهذه الفئة العمرية. وتواصل الهيئات الصحية في جميع أنحاء العالم مراقبة سلامة اللقاحات بشكل مستمر لضمان حماية الصحة العامة.





