مسؤول مخابرات مصري سابق يروي تفاصيل عملية أسر الجندي جلعاد شاليط
قدم اللواء محمد إبراهيم الدويري، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، شهادة مفصلة حول كواليس عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، والتي شكلت إحدى أبرز القضايا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتكشف تصريحاته، التي جاءت في سياق استعراضه لذكرياته، عن الدور المصري المحوري الذي بدأ في اللحظات الأولى للحادث واستمر لخمس سنوات من المفاوضات الشاقة.

خلفية عملية الأسر
في 25 يونيو 2006، نفذت فصائل فلسطينية مسلحة، من بينها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام، عملية عسكرية نوعية عبر الأنفاق استهدفت موقعًا عسكريًا إسرائيليًا قرب معبر كرم أبو سالم. أسفرت العملية عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وهو ما أدى إلى رد فعل عسكري إسرائيلي واسع النطاق في قطاع غزة عُرف باسم "عملية أمطار الصيف"، كما فتح الباب أمام أزمة سياسية ودبلوماسية طويلة الأمد.
شهادة المسؤول المصري
أوضح اللواء الدويري أنه كان متواجدًا على رأس وفد أمني مصري رفيع المستوى داخل قطاع غزة يوم وقوع العملية. وأكد أن الهدف الأساسي لوجود الوفد لم يكن مرتبطًا بالحادث، بل كان للإشراف على الترتيبات النهائية المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، والذي كان قد بدأ في العام السابق (2005). وفور انتشار نبأ أسر الجندي، تحولت مهمة الوفد المصري بشكل فوري من الإشراف إلى إدارة الأزمة ومحاولة منع التصعيد. وبدأت القاهرة على الفور باتصالات مكثفة مع كافة الأطراف المعنية لاحتواء الموقف.
الدور المصري في مفاوضات التبادل
على مدار خمس سنوات، لعبت المخابرات العامة المصرية دور الوسيط الرئيسي في المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية. كانت المحادثات بالغة التعقيد والصعوبة نظرًا لانعدام الثقة بين الطرفين والتباين الشديد في المطالب. وقد تضمنت أبرز التحديات ما يلي:
- ضمان سرية الاتصالات والحفاظ على حياة شاليط.
- التوفيق بين قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين طالبت حماس بالإفراج عنهم، وبين الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل بخصوص بعض الأسماء.
- التعامل مع الضغوط السياسية والإعلامية الداخلية في كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
عملت مصر كقناة اتصال حيوية لنقل الرسائل والمقترحات، ونجحت في بناء جسور من الثقة النسبية التي مهدت الطريق في النهاية للتوصل إلى اتفاق، وذلك بالتعاون مع جهود وساطة دولية أخرى، أبرزها الوسيط الألماني.
صفقة "وفاء الأحرار" وتبعاتها
توجت الجهود الدبلوماسية في أكتوبر 2011 بالتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى التي أُطلق عليها فلسطينيًا اسم "وفاء الأحرار". وبموجب الاتفاق الذي رعته مصر، تم إطلاق سراح جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1,027 أسيرًا وأسيرة فلسطينية من السجون الإسرائيلية على مرحلتين. اعتُبرت الصفقة إنجازًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية، بينما أثارت جدلًا واسعًا داخل إسرائيل، لكنها حظيت في النهاية بدعم شعبي ورسمي لإعادة الجندي الأسير. لا تزال شهادة اللواء الدويري تسلط الضوء على ثقل الدور المصري التاريخي كوسيط أساسي في إدارة الأزمات الكبرى في المنطقة، وتوفر رؤية من الداخل لأحد أكثر الملفات الأمنية والسياسية حساسية في العقدين الماضيين.





