مستقبل غزة في ظل إدارة ترامب المحتملة: سيناريوهات الانسحاب والضغوط على إسرائيل
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتجه الأنظار نحو المواقف المحتملة لإدارة أمريكية جديدة بقيادة دونالد ترامب تجاه الصراع في غزة ومستقبل القطاع. ورغم أن ترامب لم يقدم خطة واضحة ومفصلة، إلا أن تصريحاته السابقة ونهجه السياسي خلال فترة رئاسته الأولى يقدمان مؤشرات حول طبيعة الضغوط التي قد يمارسها على إسرائيل فيما يتعلق بإنهاء الحرب ورسم ملامح "اليوم التالي" في غزة.
خلفية تاريخية: نهج "صفقة القرن"
لفهم المقاربة المحتملة لترامب، من الضروري العودة إلى سياسته الخارجية في ولايته الأولى، والتي تمحورت حول ما عُرف إعلاميًا بـ "صفقة القرن". كانت تلك الخطة تقوم على مبدأ حل اقتصادي وأمني للصراع، مع تقديم تنازلات سياسية كبيرة لصالح إسرائيل، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية إليها. هذا النهج، الذي يعتمد على الصفقات الكبرى والمصالح المتبادلة بدلًا من الالتزام بالمسارات الدبلوماسية التقليدية، قد يشكل أساسًا لأي مبادرة مستقبلية، حيث يفضل ترامب تحقيق إنجازات سياسية سريعة وملموسة يمكن تسويقها كـ "انتصارات".
تصريحات ترامب وموقفه من الحرب الحالية
منذ بدء الحرب في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، اتسمت مواقف ترامب بالازدواجية. فمن ناحية، يؤكد على دعمه القوي لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، ومن ناحية أخرى، وجه انتقادات علنية للطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب. وفي تصريحات صدرت خلال الأشهر القليلة الماضية، دعا ترامب إسرائيل إلى "إنهاء الأمر بسرعة"، معبرًا عن قلقه من أن إسرائيل "تخسر حرب العلاقات العامة" بسبب الصور والمشاهد الصادرة من غزة. هذه التصريحات تشير إلى أنه قد لا يتردد في ممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو لتبني استراتيجية خروج واضحة وسريعة من الحرب، ليس بالضرورة لاعتبارات إنسانية، بل لمنع تفاقم الأزمة إقليميًا وتقويض المصالح الأمريكية.
سيناريوهات مطروحة لإدارة ترامب
بدلًا من فرض "خرائط انسحاب" بالمعنى الحرفي، من المرجح أن يتبنى ترامب نهجًا أكثر شمولية يربط مستقبل غزة بأهداف جيوسياسية أوسع. السيناريوهات المحتملة تشمل:
- الربط بملف التطبيع: قد يستخدم ترامب ورقة التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية كورقة ضغط رئيسية. يمكن أن يعرض على إسرائيل هذا الإنجاز التاريخي مقابل تقديم تنازلات بشأن إدارة غزة بعد الحرب، مثل القبول بدور لقوة عربية أو دولية في القطاع.
- التركيز على صفقة شاملة: يميل ترامب إلى التفكير بمنطق "الصفقات الكبرى". قد يسعى إلى فرض تسوية شاملة تتضمن إنهاء الحرب، وتبادل الأسرى والمحتجزين، ووضع ترتيبات أمنية طويلة الأمد لغزة، وكل ذلك في حزمة واحدة يتم التفاوض عليها بشكل مباشر وسريع.
- الضغط الاقتصادي والدبلوماسي: لا يُستبعد أن يستخدم ترامب المساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي الأمريكي لإسرائيل كوسيلة للضغط عليها لتبني سياسات تتماشى مع رؤيته، وهو ما يختلف عن نهج إدارة بايدن الذي حاول الموازنة بين الدعم والانتقاد.
التحديات والموقف الإسرائيلي
أي خطة قد يقترحها ترامب ستصطدم حتمًا بالخطوط الحمراء التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية الحالية. تصر حكومة بنيامين نتنياهو على الاحتفاظ بسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة في المستقبل المنظور، وترفض فكرة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع. هذا التباين في الرؤى قد يؤدي إلى توتر كبير في العلاقات بين الحليفين إذا ما قرر ترامب المضي قدمًا في فرض تسوية لا تلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية بشكل كامل. وفي الختام، يبقى الحديث عن فرض خرائط انسحاب مجرد تكهنات، لكن المؤكد أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستعني بداية مرحلة جديدة من الدبلوماسية غير التقليدية التي قد تفرض على إسرائيل خيارات صعبة بشأن مستقبل غزة.





