معاناة غزة: السكان يلجأون لطهي الطعام بالحطب وسط نقص حاد في المياه والكهرباء والوقود
في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، يلجأ الآلاف من السكان إلى أساليب بدائية للبقاء على قيد الحياة، ومن أبرز هذه الأساليب الاعتماد على الحطب لطهي الطعام. يأتي هذا التحول القسري نتيجة النقص الحاد والمستمر في الإمدادات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء والوقود، والتي تعد ضرورية لتشغيل المنازل والمؤسسات الحيوية.

الخلفية وتفاقم الأزمة
يعاني قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة، من ظروف معيشية صعبة للغاية منذ سنوات طويلة بسبب الحصار والقيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع. تفاقمت هذه الظروف بشكل جذري في الآونة الأخيرة، خاصة بعد بدء التصعيد العسكري الأخير. فمع قطع خطوط الإمداد الرئيسية، توقفت محطات تحلية المياه، ومولدات الكهرباء، والمخابز، والمستشفيات عن العمل بكامل طاقتها أو توقفت كليًا في بعض المناطق.
كان سكان غزة يعتمدون بشكل كبير على شبكات الكهرباء والمياه التي تتصل بالخارج، بالإضافة إلى الوقود اللازم لتشغيل المولدات والمضخات. ومع توقف أو شلل هذه الأنظمة، أصبحت الحياة اليومية شبه مستحيلة. البحث عن مصادر بديلة للمياه الصالحة للشرب أصبح تحديًا يوميًا، ومع غياب الكهرباء، توقف التبريد والإنارة، وأصبحت وسائل الاتصال محدودة للغاية.
أدت هذه الأوضاع إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية المدنية والخدمات الأساسية، مما ترك السكان في مواجهة ظروف قاسية غير مسبوقة، حيث بات تأمين أبسط مقومات العيش، مثل وجبة طعام مطهوة، يمثل تحديًا كبيرًا.
التكيف والحلول المؤقتة
لمواجهة هذا الواقع المرير، اضطر سكان غزة إلى إيجاد حلول مؤقتة وبديلة لتلبية احتياجاتهم الأساسية. يُعد الطهي على الحطب من أبرز هذه الحلول. ففي مناطق مختلفة من القطاع، يمكن رؤية عائلات ومجموعات من الجيران يتجمعون حول نيران صغيرة أُشعلت في العراء أو في مناطق محمية، مستخدمين قطع الأخشاب المتوفرة، أو حتى بقايا الأثاث، أو أي مواد قابلة للاشتعال كوقود.
- الطهي الجماعي: غالبًا ما تعتمد العائلات على الطهي الجماعي، حيث يتم إعداد كميات كبيرة من الطعام في قدور ضخمة (طناجر) لتوزيعها على عدد كبير من الأفراد، بمن فيهم الأطفال، لتوفير أكبر قدر من الغذاء المتاح بأقل استهلاك للموارد.
- تحديات جمع الوقود: أصبح البحث عن الحطب أو أي مواد قابلة للاحتراق مهمة يومية شاقة ومحفوفة بالمخاطر، حيث تقل هذه الموارد بشكل كبير، وتتطلب جهودًا كبيرة ووقتًا طويلاً لتأمينها.
- مخاطر صحية وبيئية: ينطوي استخدام الحطب للطهي، خاصة في أماكن مغلقة أو قليلة التهوية، على مخاطر صحية جسيمة، مثل مشاكل الجهاز التنفسي بسبب استنشاق الدخان، بالإضافة إلى خطر نشوب الحرائق. كما يساهم في تدهور البيئة المحيطة.
التأثير الإنساني والنداءات الدولية
الاعتماد على الطهي بالحطب هو مؤشر صارخ على مستوى اليأس الذي وصل إليه السكان في غزة، ويعكس حجم المعاناة الإنسانية الجسيمة. يؤثر هذا النقص في الموارد الأساسية على كافة جوانب الحياة اليومية:
- الأمن الغذائي: صعوبة إعداد الطعام الآمن والصحي تزيد من تحديات الأمن الغذائي، خاصة للأطفال والرضع وكبار السن والمرضى.
- الصحة العامة: نقص المياه النظيفة والكهرباء يؤدي إلى تدهور الأوضاع الصحية والبيئية، وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه، وعدم القدرة على تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية بكفاءة.
- التعليم والحياة الاجتماعية: غياب الكهرباء يعني عدم قدرة الطلاب على الدراسة ليلاً، وتوقف الحياة الاجتماعية بشكل شبه كامل بعد حلول الظلام.
تواصل منظمات الإغاثة الدولية ووكالات الأمم المتحدة، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية، إطلاق نداءات عاجلة للمجتمع الدولي للتدخل وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية، بما في ذلك الوقود والمياه والغذاء، لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة المتفاقمة.
أهمية الخبر
لا يمثل خبر لجوء أهالي غزة للطهي على الحطب مجرد تفصيل عن طرق الطهي، بل هو شهادة حية على الانهيار الشامل للخدمات الأساسية ووصول الأزمة الإنسانية إلى مستويات كارثية. يسلط هذا الواقع الضوء على أهمية توفير الاحتياجات الأساسية كحقوق إنسانية لا يمكن المساس بها، ويؤكد على الحاجة الملحة لوقف التصعيد وضمان وصول المساعدات الحيوية دون عوائق. يعكس هذا الخبر التحديات الهائلة التي يواجهها السكان يوميًا في سعيهم لتلبية أبسط احتياجاتهم، ويذكر العالم بالثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون في مناطق النزاع.





