ممثل وكالة «جايكا» اليابانية: التعاون مع المتحف الكبير نموذج للعمل المشترك ماليًا وفنيًا وثقافيًا
في تصريحات حديثة، أكد إيبيساوا يو، الممثل الرئيسي للوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) في مصر، أن الشراكة القائمة مع المتحف المصري الكبير تشكل نموذجًا يحتذى به للتعاون الدولي متعدد الأبعاد. وشدد يو على أن هذا التعاون لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يمتد ليشمل الأبعاد الفنية والثقافية، مما يعكس عمق العلاقات الثنائية بين مصر واليابان والتزام الجانبين بتحقيق أهداف تنموية وثقافية مشتركة.
خلفية التعاون: رؤية تاريخية لمشروع عملاق
يمثل المتحف المصري الكبير، الذي يُتوقع أن يكون الأكبر في العالم المخصص لحضارة واحدة، أحد أبرز المشروعات القومية المصرية الحديثة وأحد أهم مشاريع التعاون الدولي بين مصر واليابان. تعود جذور هذا التعاون إلى أوائل الألفية الجديدة، حيث أبدت اليابان اهتمامًا كبيرًا بالمساهمة في هذا الصرح الثقافي الضخم. قدمت وكالة جايكا، منذ البداية، دعمًا لا يقدر بثمن للمشروع، مدركة أهميته الاستراتيجية ليس فقط لمصر كوجهة سياحية وثقافية عالمية، ولكن أيضًا للحفاظ على التراث الإنساني المشترك. كان الهدف من المتحف أن يكون مركزًا بحثيًا وتعليميًا وثقافيًا يتجاوز مجرد كونه معرضًا للآثار، ليصبح منارة للمعرفة والتفاهم الثقافي.
أبعاد الشراكة: ماليًا، فنيًا، وثقافيًا
تتسم الشراكة بين جايكا والمتحف المصري الكبير بشموليتها وتنوعها، وهو ما أكد عليه ممثل الوكالة اليابانية:
- التعاون المالي: قدمت جايكا قروضًا ميسرة كبيرة لمصر، تُقدر بمئات الملايين من الدولارات الأمريكية، لتمويل مراحل مختلفة من إنشاء المتحف المصري الكبير. هذه القروض كانت حجر الزاوية الذي مكن من تنفيذ أعمال البناء الضخمة وتجهيز المرافق الحديثة. وقد تم تصميم هذه المساعدات المالية لتكون مستدامة وتخدم الأهداف التنموية طويلة الأمد لمصر، مع التركيز على الكفاءة والشفافية في استخدام الموارد.
- التعاون الفني والتقني: لم يقتصر دور جايكا على الدعم المالي، بل امتد ليشمل نقل الخبرات والمعرفة التقنية المتطورة. تعاون خبراء يابانيون مع نظرائهم المصريين في مجالات متعددة، منها:
- أعمال الترميم والحفظ: تم تقديم تدريب مكثف على أحدث تقنيات الترميم والحفظ، خاصة للمواد العضوية والمعروضات الحساسة، لضمان صيانة المقتنيات الأثرية الثمينة وفقًا للمعايير الدولية.
- التصميم الهندسي والمعماري: شارك الخبراء اليابانيون في الجوانب التقنية لتصميم وبناء المتحف، مع التركيز على توفير بيئة مثالية لعرض وحماية القطع الأثرية.
- نظم العرض والإدارة المتحفية: ساهمت الخبرات اليابانية في تطوير نظم عرض حديثة وجذابة، وفي تدريب الكوادر المصرية على أحدث أساليب الإدارة المتحفية العالمية، بما يضمن تشغيل المتحف بكفاءة عالية.
- التعاون الثقافي: تتجاوز هذه الشراكة الجوانب المادية والفنية لتشمل تبادلاً ثقافيًا عميقًا. يمثل المتحف بحد ذاته جسرًا ثقافيًا يعرض الحضارة المصرية العريقة للعالم، ولكن التعاون مع جايكا يعزز هذا الدور من خلال برامج التبادل الثقافي، وورش العمل المشتركة، والفعاليات التي تسهم في بناء فهم متبادل وتقدير للثقافتين المصرية واليابانية. هذا البعد الثقافي يرسخ فكرة أن التراث ليس ملكًا لأمة واحدة بل هو إرث إنساني مشترك يجب صونه وعرضه للأجيال القادمة.
أهمية المشروع وتأثيره
يعد المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد معلم سياحي؛ فهو مشروع يملك تأثيرات متعددة الأوجه:
- النهوض بالسياحة: من المتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنويًا، مما يعزز قطاع السياحة المصري ويدعم الاقتصاد الوطني.
- الحفاظ على التراث: يوفر المتحف بيئة مثالية لحفظ وعرض ملايين القطع الأثرية، بما في ذلك المجموعة الكاملة لكنوز توت عنخ آمون، مما يضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
- بناء القدرات: ساهمت برامج التدريب ونقل الخبرات في تطوير مهارات الكوادر المصرية في مجالات الآثار والترميم وإدارة المتاحف.
- تعزيز العلاقات الثنائية: يعكس هذا المشروع العملاق قوة ومتانة العلاقات المصرية اليابانية ويفتح آفاقًا أوسع للتعاون المستقبلي في مختلف القطاعات.
تؤكد تصريحات ممثل جايكا على الرؤية المشتركة بين مصر واليابان لأهمية الثقافة والتراث كركيزتين أساسيتين للتنمية المستدامة والتقارب بين الشعوب. ويعد المتحف المصري الكبير شهادة حية على إمكانية تحقيق إنجازات ضخمة عندما تتضافر الجهود الدولية نحو هدف مشترك، متجاوزة الحواجز المالية والفنية والثقافية لتحقيق رؤية حضارية جامعة.





