مهرجان غزة لسينما المرأة: روايات صمود من قلب الإبادة
في خطوة ثقافية مؤثرة تكسر حواجز اليأس، شهد أحد مخيمات النزوح بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في الآونة الأخيرة، انطلاق فعاليات مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة. يأتي هذا المهرجان، الذي يحظى بمشاركة واسعة من النساء الفلسطينيات، ليحمل على عاتقه رسالة عميقة من الصمود والأمل، مسلطًا الضوء على المعاناة الجسيمة التي تواجهها المرأة الفلسطينية إبان فترة النزاع الشرس التي تجاوزت العامين، والتي يصفها المنظمون بأنها حرب إبادة جماعية. يهدف المهرجان إلى إبراز قصص البقاء والتحدي، من خلال روايات نساء فقدن أحباءهن، وأصبحن وحيدات في مواجهة قسوة الحياة.

الخلفية والسياق
يمر قطاع غزة بظروف استثنائية عصيبة، حيث تعرض لدمار هائل ونزوح جماعي على مدى العامين الماضيين. في ظل هذه الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، تُعتبر المرأة الفلسطينية من الفئات الأكثر تضررًا، إذ تتحمل عبئًا مضاعفًا يتجاوز فقدان المنازل وسبل العيش ليشمل فقدان الأزواج والأبناء وأفراد الأسرة. تواجه النساء تحديات نفسية واجتماعية واقتصادية جمة، بدءًا من إدارة شؤون الأسرة في ظروف النزوح القاسية وصولاً إلى التعامل مع الصدمات العميقة التي تركتها الحرب. في هذا السياق، تبرز المبادرات الثقافية والفنية كمتنفس حيوي ووسيلة للتعبير عن الألم، وتوثيق الواقع، والحفاظ على الهوية الجماعية في وجه محاولات الطمس.
أهداف ورسالة المهرجان
لا يقتصر دور مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة على عرض الأفلام فحسب، بل يتجاوز ذلك ليصبح منبرًا لإسماع أصوات نساء غزة إلى العالم. تتركز أهدافه على ما يلي:
- توثيق المعاناة والصمود: يقدم المهرجان شهادات حية وقصصًا مرئية توثق تفاصيل الحياة اليومية للمرأة الفلسطينية تحت القصف والنزوح، مركزًا على قدرتها الفائقة على الصمود والتكيف.
- تمكين المرأة: يمنح المهرجان النساء فرصة للتعبير عن أنفسهن وإبداعهن، سواء كن مخرجات أو كاتبات أو حتى بطلات لهذه القصص، مما يعزز من دورهن القيادي والمجتمعي.
- بناء الوعي الدولي: يسعى المنظمون إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأوضاع المأساوية في غزة وإلى الدور المحوري الذي تلعبه المرأة في الحفاظ على النسيج الاجتماعي والأمل بالمستقبل.
- توفير مساحة للدعم النفسي: من خلال اللقاءات والفعاليات المشتركة، يوفر المهرجان بيئة تضامنية تتيح للنساء مشاركة تجاربهن وتبادل الدعم العاطفي، وهو أمر حيوي في ظل الأزمات.
إن الرسالة الجوهرية للمهرجان هي أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للمقاومة غير العنيفة، وإعادة بناء السردية الذاتية، وتحويل الألم إلى إبداع يبعث على الأمل.
فعاليات المهرجان
على الرغم من التحديات اللوجستية والأمنية الهائلة التي تفرضها ظروف الحرب، تم تنظيم المهرجان في أحد مخيمات النزوح، مما يضفي عليه بعدًا رمزيًا خاصًا. تضمنت الفعاليات عروضًا لأفلام قصيرة ووثائقية، بعضها من إنتاج محلي يعكس واقع غزة بشكل مباشر، وبعضها الآخر من إنتاجات دولية تحمل رسائل تضامنية. أعقبت العروض جلسات نقاش مفتوحة أتاحت للنساء الحاضرات التفاعل مع صانعات الأفلام ومع بعضهن البعض، لتبادل الآراء والخبرات. كما شهد المهرجان ورش عمل مصغرة لتعليم أساسيات صناعة الأفلام، بهدف تشجيع المزيد من النساء على توثيق قصصهن بأدوات بصرية.
كانت الأجواء داخل المخيم مزيجًا من الحزن العميق والتصميم القوي، حيث اجتمعت النساء، اللواتي يمثلن مختلف شرائح المجتمع، في مكان واحد ليروين قصصهن ويستمعن إلى قصص الأخريات، مؤكدات أن الثقافة والفن يمكن أن يزدهرا حتى في أكثر الظروف قسوة.
الأهمية والتأثير
يمثل مهرجان غزة لسينما المرأة أكثر من مجرد حدث ثقافي؛ إنه فعل مقاومة وتأكيد على الحياة. إن تأثيره يتجلى في عدة جوانب:
- على المستوى النفسي: يوفر المهرجان مساحة آمنة للنساء للتعبير عن مشاعرهن ومعالجة الصدمات من خلال الفن، مما يساهم في بناء المرونة النفسية.
- على المستوى الاجتماعي: يعزز الروابط المجتمعية والتضامن بين النساء، ويبرز دورهن المحوري في الحفاظ على تماسك المجتمع.
- على المستوى الإعلامي: يقدم المهرجان رواية بديلة للصور النمطية عن غزة، مبرزًا الوجه الإنساني للمأساة وقصص الأبطال العاديين الذين يعيشون فيها.
- على المستوى الدولي: يمكن للأفلام التي تُعرض في المهرجان أن تكون وسيلة قوية لنقل معاناة نساء غزة إلى المحافل الدولية، وتشكيل رأي عام داعم للقضية الفلسطينية وحقوق الإنسان.
في ختام فعالياته، يبعث مهرجان غزة لسينما المرأة برسالة واضحة: حتى في أحلك الظروف، يظل الأمل في الصمود والإبداع شعلة لا تنطفئ، تضيء درب المستقبل وتؤكد على أن صوت المرأة الفلسطينية سيظل مسموعًا، شاهدًا على الألم ومبشرًا بالانتصار على اليأس.





