موازين القوى العالمية: تحليل المواجهة بين الصين بقيادة شي جينبينغ وأمريكا في عهد ترامب
شهدت فترة رئاسة دونالد ترامب بين عامي 2017 و2021 تحولاً جذرياً في طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث انتقلت من حالة من المنافسة الحذرة إلى مواجهة مفتوحة على جبهات متعددة. وقد عكست هذه الحقبة صراعاً بين رؤيتين متضاربتين للنظام العالمي، قاد إحداهما الرئيس الأمريكي بشعار "أمريكا أولاً"، والأخرى الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي سعى لتعزيز مكانة بلاده كقوة عالمية رائدة.

خلفية الصراع: رؤى متصادمة
ارتكزت سياسة إدارة ترامب تجاه الصين على فكرة أن بكين استفادت لعقود من النظام التجاري العالمي على حساب الصناعة والعمالة الأمريكية. تم اتهام الصين بممارسات تجارية غير عادلة، بما في ذلك سرقة الملكية الفكرية، والإعانات الحكومية الضخمة للشركات الصينية، وفرض قيود على وصول الشركات الأجنبية إلى أسواقها. في المقابل، واصلت الصين تحت قيادة شي جينبينغ تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي عبر مبادرات عالمية ضخمة، أبرزها مبادرة "الحزام والطريق"، مقدمة نفسها كبديل للقيادة الأمريكية التقليدية.
الحرب التجارية: الأداة الرئيسية للمواجهة
كانت الحرب التجارية هي الساحة الأبرز لهذا الصراع. بدءاً من عام 2018، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من الرسوم الجمركية العقابية على مئات المليارات من الدولارات من الواردات الصينية، مستهدفة قطاعات استراتيجية. لم تتأخر بكين في الرد، حيث فرضت رسوماً انتقامية على سلع أمريكية، لا سيما المنتجات الزراعية التي تشكل قاعدة انتخابية مهمة للرئيس ترامب. أدت هذه الإجراءات المتبادلة إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية وزيادة حالة عدم اليقين في الأسواق المالية الدولية، مما أثر سلباً على النمو الاقتصادي العالمي.
أبعاد أخرى للمنافسة
لم تقتصر المواجهة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل امتدت لتشمل مجالات حيوية أخرى، أبرزها التكنولوجيا. قادت واشنطن حملة دولية شرسة ضد شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي، متهمة إياها بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي، وسعت إلى إقناع حلفائها بحظر استخدام معداتها في شبكات الجيل الخامس للاتصالات (5G). بالإضافة إلى ذلك، تصاعد التوتر الجيوسياسي في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي، مع زيادة العمليات العسكرية الأمريكية لتأكيد "حرية الملاحة"، وتكثيف الدعم الأمريكي لتايوان، وهو ما تعتبره الصين استفزازاً مباشراً وخطاً أحمر.
التداعيات وإعادة تشكيل المشهد العالمي
تركت هذه المواجهة بصماتها العميقة على النظام الدولي. فقد أجبرت العديد من الدول على الموازنة الصعبة بين علاقاتها مع واشنطن وبكين، ووضعتها في موقف حرج للاختيار بين القوتين العظميين. كما أضعفت هذه السياسات الثقة في بعض المؤسسات متعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية. وبشكل عام، عززت هذه الفترة السردية القائلة بأن العالم قد دخل حقبة جديدة من التنافس الاستراتيجي طويل الأمد بين الولايات المتحدة والصين، وهو واقع يستمر في تشكيل السياسة العالمية حتى بعد انتهاء ولاية الرئيس ترامب.




