مولد الدسوقي يُعلق الدراسة: من هو القطب الصوفي إبراهيم الدسوقي الذي تعود جذوره لآل البيت؟
في أواخر عام 2023، شهدت مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ قرارًا استثنائيًا بتعليق الدراسة في عدد من مدارس المدينة لمدة أسبوع كامل، وجاء هذا الإجراء تزامنًا مع الاستعدادات لاحتفالات مولد الإمام إبراهيم الدسوقي السنوية. يعكس هذا التعليق حجم الإقبال الهائل والتحضيرات اللوجستية المصاحبة لأحد أكبر الموالد الصوفية في مصر، والذي يجذب ملايين الزوار من داخل البلاد وخارجها. تهدف هذه الخطوة، التي اتخذتها الإدارة التعليمية بتوجيهات من المحافظ، إلى ضمان سلامة الطلاب والمواطنين في ظل الأجواء الاحتفالية المكتظة التي تتحول إليها المدينة.

من هو الإمام إبراهيم الدسوقي؟
يُعدّ الإمام إبراهيم الدسوقي، واسمه الكامل أبو العينين إبراهيم بن عبد العزيز الدسوقي، أحد أبرز الأقطاب الأربعة في التصوف الإسلامي، ويلقب بـ "القطب الرابع" أو "قطب الولاية". وُلد في مدينة دسوق عام 1255 ميلادي (653 هجري)، ويُنسب في جذوره إلى آل البيت النبوي الشريف، تحديدًا من نسل الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء، وهو ما يضفي على شخصيته ومولده قدسية خاصة لدى مريديه ومحبيه. أسس الدسوقي الطريقة الدسوقية الصوفية، التي تعد من الطرق الصوفية الكبرى في مصر والعالم الإسلامي، وخلّف وراءه العديد من التعاليم والمبادئ التي تركز على الزهد والعبادة والتقرب إلى الله. تُشكل سيرته وحياته مصدر إلهام للكثيرين، ويُعرف بكراماته وقدراته الروحية التي يتناقلها أتباعه.
تعليق الدراسة: السياق والأسباب
لم يكن قرار تعليق الدراسة مفاجئًا لسكان دسوق، حيث اعتادت المدينة على مثل هذه الإجراءات خلال فترة المولد السنوي. أعلن الدكتور وائل عبد الباري هراس، مدير عام إدارة دسوق التعليمية، عن هذا القرار استنادًا إلى توجيهات محافظ كفر الشيخ الدكتور علاء عبد المعطي، ووكيل وزارة التربية والتعليم بالمحافظة الدكتور علاء جودة. جاء هذا الإجراء كضرورة لوجستية وأمنية؛ فخلال فترة المولد، تتحول مدينة دسوق إلى مركز جذب بشري ضخم، مما يؤدي إلى:
- اكتظاظ شديد: تمتلئ الشوارع والساحات بالزوار، مما يعيق حركة المرور ويصعب التنقل.
- تحديات مرورية: تؤثر الحشود على حركة السير والنقل العام، مما يجعل وصول الطلاب إلى مدارسهم صعبًا وغير آمن.
- مخاوف السلامة: تزداد المخاطر المتعلقة بسلامة الأطفال والطلاب وسط الحشود الكبيرة، خاصة في مناطق الاحتفالات المحيطة بالمسجد الأحمدي الذي يضم ضريح الدسوقي.
- ضغط على البنية التحتية: تتعرض مرافق المدينة لضغط هائل، مما يستلزم تركيز الجهود على إدارة المولد وتأمين الزوار.
يهدف تعليق الدراسة إلى تفادي أي حوادث محتملة وضمان بيئة آمنة للطلاب، مع السماح للسلطات المحلية بالتركيز الكامل على إدارة هذا الحدث الديني والثقافي الهام.
الأهمية الدينية والثقافية للمولد
يمثل مولد إبراهيم الدسوقي مناسبة دينية واجتماعية كبرى في مصر. إنه ليس مجرد احتفال بذكرى ميلاد قديس صوفي، بل هو تجمع روحي ضخم يستمر لعدة أيام، تتخلله طقوس دينية وفعاليات شعبية. يشارك فيه الآلاف من أتباع الطرق الصوفية والمريدين والعائلات من جميع أنحاء مصر والعالم الإسلامي. تتضمن الاحتفالات:
- الابتهالات والأناشيد الدينية: حلقات الذكر والإنشاد الصوفي التي تُقام في ساحات المدينة والمسجد الأحمدي.
- الفعاليات الشعبية: الأسواق المؤقتة، وعروض المراجيح، والمسابقات الدينية، وتقديم الطعام للفقراء والمحتاجين.
- الزيارات والتبارك: يتوافد الزوار لزيارة ضريح الإمام إبراهيم الدسوقي في مسجده الكبير، طلبًا للبركة والدعاء.
تُسهم هذه الاحتفالات في إحياء التراث الصوفي الشعبي وتعزيز الروابط المجتمعية، كما تُعد فرصة لتبادل الثقافات والتعرف على جوانب مختلفة من التدين الشعبي المصري.
التحديات والإدارة الحكومية
تفرض التجمعات المليونية تحديات كبيرة على السلطات المحلية في دسوق وكفر الشيخ. يتطلب تنظيم المولد تنسيقًا واسعًا بين الجهات الأمنية والصحية والخدمية. تُوضع خطط أمنية محكمة لضمان سلامة الزوار ومنع أي تجاوزات، كما تُكثف جهود النظافة والإسعاف والطوارئ. تتعامل المحافظة مع تحديات مثل إدارة الحشود الكبيرة، وتأمين الطرق، وتوفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي، فضلاً عن تنظيم حركة الباعة الجائلين والأسواق المؤقتة. يُظهر قرار تعليق الدراسة حرص الدولة على الموازنة بين السماح بالاحتفالات الدينية والتأكد من عدم تأثيرها سلبًا على سير الحياة اليومية وسلامة المواطنين، خاصة شريحة الطلاب.
في الختام، يُعد مولد إبراهيم الدسوقي حدثًا فريدًا يجسد جزءًا أصيلًا من الوجدان الديني والثقافي المصري، وهو حدث سنوي يمزج بين الروحانية العميقة والتحديات اللوجستية التي تستدعي تدخلات إدارية مدروسة لضمان مرور الاحتفالات بأمان وسلام.





