نائب أمين عام حزب الله يتحدث عن إمكانية اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل
في تصريحات صدرت في الأيام الأخيرة، سلّط نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، الضوء على الاحتمال المتزايد لاندلاع حرب شاملة جديدة مع إسرائيل. تأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد غير مسبوق للتوترات على الحدود الجنوبية للبنان وتفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة الأوسع، خاصة مع استمرار الصراع في قطاع غزة. وقد وجه قاسم نصيحة وصفها بالواضحة إلى "الأعداء" بضرورة الالتزام الصارم باتفاقات وقف إطلاق النار القائمة، في إشارة ضمنية إلى التفاهمات الدولية التي تسعى لمنع التصعيد.

خلفية التوترات الإقليمية والصراع التاريخي
تتمتع العلاقة بين حزب الله وإسرائيل بتاريخ طويل ومعقد من العداء والمواجهات، أبرزها حرب يوليو/تموز 2006 التي خلفت دمارًا واسعًا في لبنان وأدت إلى تبادل عنيف للقصف. منذ ذلك الحين، بقيت الحدود بين البلدين نقطة اشتعال محتملة، رغم وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) التي تعمل على مراقبة الوضع وفقًا للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. هذا القرار يدعو إلى وقف كامل للأعمال القتالية وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وينص على منطقة عازلة خالية من أي قوات مسلحة باستثناء القوات اللبنانية واليونيفيل.
في الآونة الأخيرة، ومع اندلاع الحرب في غزة، شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصعيدًا كبيرًا، حيث ينفذ حزب الله عمليات استهداف يومية للمواقع العسكرية الإسرائيلية، معلنًا أنها تأتي دعمًا للمقاومة في غزة وتخفيفًا للضغط عليها. وترد إسرائيل بغارات جوية وقصف مدفعي يستهدف مواقع وبنى تحتية تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين من قراهم الحدودية على كلا الجانبين.
تفاصيل تصريحات نعيم قاسم ومغزاها
تناولت تصريحات نعيم قاسم عدة محاور أساسية تعكس رؤية حزب الله للوضع الراهن. أولًا، شدد على أن قرار الحرب والسلم يعتمد على تطورات الميدان وعلى ردود الأفعال الإسرائيلية. وحذر من أن أي توسيع للعمليات العسكرية الإسرائيلية خارج نطاق الاشتباكات الحالية قد يدفع المنطقة بأسرها نحو مواجهة شاملة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وأوضح قاسم أن "الأعداء"، في إشارة واضحة لإسرائيل، يجب أن يدركوا أن صبر المقاومة له حدود، وأن أي خرق كبير لقواعد الاشتباك قد يفضي إلى سيناريو تصعيدي غير مرغوب فيه.
ثانيًا، أكد قاسم على جاهزية حزب الله التامة للتعامل مع أي سيناريو، مشددًا على أن الحزب يمتلك القدرات العسكرية اللازمة للدفاع عن لبنان والرد بقوة على أي عدوان. وأشار إلى أن المقاومة لا تسعى للحرب ولكنها لن تتردد في خوضها إذا فُرضت عليها، وأنها تعمل دائمًا على تحقيق الردع. وقد جاءت هذه التصريحات بمثابة رسالة واضحة لتل أبيب، مفادها أن الاستفزازات المتواصلة قد تؤدي إلى نتائج كارثية لكلا الطرفين.
أما بخصوص "اتفاق وقف إطلاق النار" الذي نصح قاسم بتطبيقه، فيُفهم أنه يشير إلى المبادئ العامة للتهدئة وعدم الاعتداء المنصوص عليها في القرارات الدولية، وخاصة القرار 1701، بالإضافة إلى الدعوات الدولية المتكررة للتهدئة وضبط النفس في سياق الصراع الدائر. يبدو أن دعوته تهدف إلى تذكير إسرائيل بضرورة احترام الحدود الدولية والامتناع عن الاستفزازات التي قد تؤجج الصراع.
التطورات الأخيرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية
تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل حالة من التأهب القصوى. تتزايد التقارير عن استخدام أنواع جديدة من الأسلحة وتكتيكات متقدمة من كلا الجانبين. فبينما يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو شمال إسرائيل، تستهدف القوات الإسرائيلية بشكل متكرر عمق الأراضي اللبنانية، بما في ذلك المناطق التي تبعد عن الشريط الحدودي. وقد أدى هذا التصعيد إلى نزوح ما يقرب من 100 ألف لبناني من قراهم الحدودية، بالإضافة إلى إجلاء عشرات الآلاف من الإسرائيليين من البلدات الشمالية.
على الصعيد الدبلوماسي، تتكثف الجهود الدولية لاحتواء الوضع. تقوم بعثات دبلوماسية رفيعة المستوى بزيارات مكوكية بين بيروت وتل أبيب، محاولة التوسط لوقف التصعيد. وشددت الأمم المتحدة مرارًا على ضرورة احترام القرار 1701 ودعت جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب كارثة إنسانية وأمنية أوسع نطاقًا في المنطقة.
التداعيات المحتملة والتحديات
إن اندلاع حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل سيحمل تداعيات وخيمة على جميع الأطراف. بالنسبة للبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، ستكون تكلفة الحرب كارثية، حيث ستتسبب في دمار واسع للبنية التحتية، ونزوح جماعي، وتفاقم المعاناة الإنسانية. كما أن الاقتصاد اللبناني الهش لا يستطيع تحمل ضربة أخرى بهذا الحجم.
أما إسرائيل، فستواجه جبهة شمالية معقدة وخطيرة، حيث يمتلك حزب الله ترسانة صاروخية كبيرة وقدرات قتالية عالية. ستكون الحرب مكلفة بشريًا واقتصاديًا، وستضيف ضغطًا هائلاً على قيادتها الأمنية والسياسية في ظل استمرار الحرب في غزة. دوليًا، ستؤدي هذه الحرب إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وقد تجذب قوى إقليمية ودولية أخرى إلى الصراع، مما يهدد الأمن والسلم العالميين.
ردود الفعل والتحليلات
تباينت ردود الفعل على تصريحات نعيم قاسم. داخليًا في لبنان، أثارت تصريحاته مخاوف لدى بعض الأوساط من جر البلاد إلى حرب لا قبل لها بها، بينما رأى آخرون فيها تأكيدًا على قوة المقاومة وجاهزيتها. أما في إسرائيل، فقد قوبلت هذه التحذيرات بتصريحات متشددة من مسؤولين يؤكدون على قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن البلاد وتوجيه ضربة قاسية لأي عدو. وقد أشار محللون سياسيون إلى أن تصريحات قاسم تهدف إلى رفع سقف الردع، ولكنها تحمل أيضًا مخاطر سوء التقدير التي قد تؤدي إلى تصعيد غير مقصود.
تظل المنطقة على صفيح ساخن، ومع استمرار التوترات بين حزب الله وإسرائيل، تزداد أهمية الدعوات الدولية لتهدئة الأوضاع والبحث عن حلول دبلوماسية مستدامة تضمن الأمن والاستقرار لجميع الأطراف. تصريحات نائب أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، لا تؤكد إلا على مدى خطورة الوضع الراهن والحاجة الملحة لتفادي أي خطأ في الحسابات قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة.





