نتفليكس تعزز تجربة المشاهدة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي
تتجه شركة نتفليكس، عملاق البث الترفيهي، بشكل متزايد نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بهدف إحداث نقلة نوعية في تجربة المستخدمين وتحسين كفاءة عمليات الإنتاج لديها. وفي خطوة تعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه التقنية، بدأت الشركة في دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب عملها، بدءًا من تخصيص المحتوى للمشاهدين وصولًا إلى المساعدة في عمليات الإنتاج الإبداعية المعقدة.
خلفية تاريخية: من التوصيات إلى التوليد
لم يكن استخدام نتفليكس للذكاء الاصطناعي وليد اللحظة؛ فقد اعتمدت المنصة لسنوات طويلة على خوارزميات التعلم الآلي لتقديم توصيات مخصصة للمشتركين، وهو النظام الذي ساهم بشكل كبير في نجاحها العالمي. ومع ذلك، يمثل التوجه نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي مرحلة جديدة وأكثر تطورًا. فبدلًا من مجرد تحليل البيانات للتوصية بمحتوى موجود، تهدف الشركة الآن إلى استخدام هذه التقنية لإنشاء عناصر جديدة ومبتكرة، سواء كانت مرئية أو نصية، مما يفتح آفاقًا واسعة للابتكار.
التطبيقات الرئيسية للذكاء الاصطناعي التوليدي في نتفليكس
تركز استراتيجية نتفليكس على عدة محاور رئيسية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتشمل هذه المحاور ما يلي:
- تخصيص الصور المصغرة والأعمال الفنية: أحد أبرز الاستخدامات الحالية هو إنشاء صور مصغرة (Thumbnails) وأعمال فنية مخصصة لكل مستخدم. تقوم الخوارزميات بتحليل تفضيلات المشاهد وتاريخ مشاهداته لتوليد صورة ترويجية للفيلم أو المسلسل يُحتمل أن تجذبه بشكل أكبر، مما يزيد من معدلات التفاعل والمشاهدة.
- دعم العمليات الإبداعية والإنتاج: تستكشف الشركة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في المراحل المبكرة من الإنتاج، مثل المساعدة في كتابة ملخصات أولية للسيناريوهات أو توليد أفكار بصرية للوحات القصة (Storyboards). الهدف ليس استبدال الكتاب والمبدعين، بل تزويدهم بأدوات تسرّع من وتيرة العمل وتعزز من قدرتهم الإبداعية.
- تحسين المؤثرات البصرية (VFX): في عالم الإنتاج السينمائي، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يقلل بشكل كبير من الوقت والتكلفة اللازمين لإنشاء مؤثرات بصرية معقدة، مثل تصميم خلفيات واقعية أو تعديل المشاهد بصريًا.
- التسويق والإعلانات: تعمل نتفليكس على استخدام هذه التقنية لإنشاء حملات تسويقية أكثر فعالية، من خلال توليد نصوص إعلانية أو مقاطع فيديو ترويجية قصيرة مصممة خصيصًا لشرائح مختلفة من الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي.
الأهمية الاستراتيجية والتحديات
يأتي هذا الاستثمار في وقت تتزايد فيه المنافسة في سوق البث الرقمي. ترى نتفليكس في الذكاء الاصطناعي التوليدي وسيلة للحفاظ على مكانتها الرائدة من خلال تقديم تجربة فريدة لا يمكن مضاهاتها بسهولة، بالإضافة إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وخفض تكاليف الإنتاج الضخمة. خلال العام الماضي، وتحديدًا في صيف 2023، أثارت الشركة جدلًا واسعًا عندما أعلنت عن وظيفة لمدير منتج في مجال الذكاء الاصطناعي براتب يصل إلى 900,000 دولار سنويًا، وهو ما تزامن مع إضرابات الكتاب والممثلين في هوليوود التي كان الذكاء الاصطناعي أحد أبرز نقاط الخلاف فيها. يمثل هذا التوجه تحديًا يتعلق بتحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والمخاوف الأخلاقية وحقوق المبدعين، وهو نقاش لا يزال مستمرًا في الأوساط الفنية والتقنية.
نظرة مستقبلية
تؤكد خطوات نتفليكس أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يعد مجرد مفهوم نظري، بل أصبح أداة عملية تسعى من خلالها كبرى الشركات إلى إعادة تشكيل مستقبل صناعة الترفيه. وبينما لا تزال الكثير من التطبيقات في مراحلها التجريبية، فمن الواضح أن تأثير هذه التقنية على كيفية إنتاج المحتوى واستهلاكه سيستمر في النمو خلال السنوات القادمة، مما يعد بتجربة مشاهدة أكثر تخصيصًا وتفاعلية لملايين المشتركين حول العالم.



