واشنطن وكييف تبلوران خطة سلام جديدة من 19 بنداً لإنهاء الصراع
كشفت تقارير إعلامية، أبرزها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أواخر فبراير 2024، أن الولايات المتحدة وأوكرانيا تعملان بشكل مكثف على صياغة مسودة خطة سلام جديدة تهدف إلى إنهاء النزاع الدائر. هذه الخطة، التي تتألف من 19 بنداً، تمثل تطوراً عن المقترحات السابقة، وتحديداً الخطة ذات الـ 28 بنداً التي لم تلقَ قبولاً. ويُعتقد أن هذه الجهود تعكس سعياً دبلوماسياً متجدداً لإيجاد مخرج للأزمة التي طال أمدها، مع التركيز على تحديد مسار للتهدئة وإنشاء إطار مستقبلي للعلاقات والأمن في المنطقة.

الخلفية والتطورات السابقة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، والذي أدى إلى تصعيد غير مسبوق في التوترات الجيوسياسية والعسكرية. ومنذ ذلك الحين، شهدت المنطقة صراعاً دموياً خلف دماراً هائلاً وخسائر بشرية جسيمة، فضلاً عن تشريد ملايين الأشخاص. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المتفرقة التي بُذلت في المراحل الأولى من الصراع، مثل محادثات إسطنبول في ربيع 2022، لم يتم التوصل إلى أي اختراق حقيقي. وقد تميزت تلك المحادثات السابقة بوجود خطط مقترحة، كان أبرزها خطة أوكرانية مكونة من 28 بنداً، والتي لم تتقدم بسبب تباين المطالب الجوهرية بين الأطراف المتحاربة، خاصة فيما يتعلق بمسائل السيادة الإقليمية والانسحاب العسكري والضمانات الأمنية.
لطالما لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في دعم أوكرانيا، سواء من خلال المساعدات العسكرية والاقتصادية أو الدعم الدبلوماسي. هذا الدعم المستمر جعل واشنطن شريكاً أساسياً في أي مبادرة سلام مستقبلية. ومن جانبها، أصرت كييف مراراً على مبادئها المتعلقة بوحدة أراضيها وسيادتها، مشددة على أن أي حل يجب أن يضمن استقلالها وأمنها على المدى الطويل. إن العمل المشترك على خطة جديدة يشير إلى تنسيق وثيق بين الحليفين الرئيسيين في محاولة لتقديم إطار أكثر عملية وقابلية للتطبيق في ظل التطورات الراهنة على الأرض وفي الساحة الدولية.
تفاصيل الخطة الجديدة المحتملة
إن الانتقال من خطة ذات 28 بنداً إلى خطة مكونة من 19 بنداً يوحي بأن الجانبين قد قاما بتبسيط الأهداف وتحديد الأولويات، أو ربما دمج بعض البنود لزيادة فعاليتها. على الرغم من عدم الكشف عن التفاصيل الكاملة للخطة الجديدة بشكل علني، إلا أنه يمكن استنتاج أن النقاط الأساسية ستركز على القضايا الجوهرية لإنهاء الصراع وترسيخ السلام. من المتوقع أن تشمل هذه البنود محاور رئيسية مثل:
- وقف إطلاق نار شامل وفوري: نقطة الانطلاق لأي عملية سلام فعالة، تتطلب آليات مراقبة صارمة.
- انسحاب القوات الروسية: تحديد جدول زمني ومناطق الانسحاب من الأراضي الأوكرانية.
- ضمانات أمنية لأوكرانيا: صياغة آليات تضمن عدم تكرار العدوان في المستقبل، وقد تشمل مشاركة دولية.
- الوضع المستقبلي للمناطق المتنازع عليها: معالجة قضايا مثل شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية من أوكرانيا التي تحتلها روسيا، مع الأخذ في الاعتبار المطالب السيادية الأوكرانية.
- مسألة التعويضات وإعادة الإعمار: وضع إطار لتعويض أوكرانيا عن الأضرار الهائلة وإطلاق جهود إعادة الإعمار الشاملة.
- المساءلة عن جرائم الحرب: تحديد آليات للتحقيق ومحاكمة المتورطين في جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي.
- القضايا الإنسانية: تبادل الأسرى والمحتجزين، وعودة اللاجئين والنازحين، وتوفير المساعدة الإنسانية.
- تطبيع العلاقات الدبلوماسية: وضع خريطة طريق لاستعادة العلاقات بين البلدين، بما في ذلك الترتيبات الدبلوماسية والتجارية.
دوافع واشنطن وكييف
تتمثل دوافع واشنطن في الدخول في هذه المحادثات في عدة أبعاد. فبالإضافة إلى دعمها المعلن لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، والحد من التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية للحرب، وتقليل الأعباء المالية المترتبة على تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا على المدى الطويل. كما أن هناك رغبة في إظهار القيادة الدبلوماسية والتصدي للنفوذ الروسي المتزايد في أوروبا.
من جانبها، تسعى أوكرانيا بشكل حثيث إلى إنهاء الصراع الذي يستنزف مواردها البشرية والمادية. الهدف الأسمى لكييف هو استعادة سيادتها الكاملة على جميع أراضيها وضمان مستقبل آمن لشعبها. وتعتبر هذه الخطة الجديدة فرصة محتملة لترجمة النجاحات العسكرية المحدودة إلى مكاسب دبلوماسية، وتأمين دعم دولي مستمر لإعادة الإعمار والتعافي، والتأكيد على تطلعاتها للانضمام إلى المؤسسات الأوروبية والغربية.
التحديات والعقبات
على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام تحقيق أي اتفاق سلام. العقبة الرئيسية تتمثل في موقف روسيا، التي لم تُظهر حتى الآن مرونة كبيرة في التنازل عن الأراضي التي ضمتها أو احتلتها. قد تتطلب الخطة قبولاً من موسكو، وهو ما قد لا يكون سهلاً بالنظر إلى مطالبها الأمنية وتصوراتها الاستراتيجية. كذلك، يتطلب أي اتفاق سلام شامل توافقاً دولياً واسعاً، فضلاً عن وجود آليات فعالة للتحقق من الالتزام بالبنود المتفق عليها. كما أن هناك تحديات داخلية في أوكرانيا ودول الحلفاء تتعلق بالحفاظ على الإجماع حول شروط أي تسوية محتملة، خاصة إذا تضمنت تنازلات صعبة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تمثل الأنباء عن صياغة هذه الخطة الجديدة علامة مهمة على استمرار الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل سياسي للصراع، حتى في ظل استمرار العمليات العسكرية. إذا ما تقدمت هذه الخطة، فقد تكون بمثابة نقطة تحول حاسمة في الأزمة الأوكرانية، وقد تؤثر بشكل كبير على مسار المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لكييف، وكذلك على نظام العقوبات المفروض على روسيا. علاوة على ذلك، يمكن أن تحدد هذه الخطة ملامح النظام الأمني المستقبلي في أوروبا الشرقية وتداعياته على العلاقات الدولية الأوسع. إن وجود إطار عمل متفق عليه بين الولايات المتحدة وأوكرانيا يمكن أن يشكل ضغطاً إضافياً على الأطراف الأخرى للانخراط بجدية أكبر في المسار الدبلوماسي، مما يمهد الطريق نحو استقرار إقليمي طال انتظاره.





