وزير الخارجية المصري يصف موقف القاهرة بـ"الصبر الاستراتيجي" رداً على قائد الدعم السريع
في تصريحات حديثة، حدد وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، ملامح الموقف الدبلوماسي لبلاده تجاه الأزمة في السودان، واصفاً تعامل القاهرة مع التصريحات الصادرة عن قائد قوات الدعم السريع بأنه يندرج تحت إطار "الصبر الاستراتيجي". يعكس هذا التوصيف النهج الحذر الذي تتبناه مصر في التعامل مع الصراع المعقد الدائر على حدودها الجنوبية، والذي يحمل تداعيات مباشرة على أمنها القومي.

خلفية التوترات المتصاعدة
منذ اندلاع النزاع في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اتخذت مصر موقفاً رسمياً يدعو إلى الحفاظ على سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها. ورغم تأكيدها المستمر على الوقوف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، فإن اتهامات متكررة صدرت من قيادة الدعم السريع تشير إلى انحياز مصري للجيش السوداني وتقديم دعم له.
هذه الاتهامات، التي نفتها القاهرة مراراً، شكلت مصدراً للتوتر في العلاقات بين مصر وقوات الدعم السريع. وقد صعدت قيادة الدعم السريع من لهجتها في عدة مناسبات، موجهة انتقادات مباشرة للدور المصري، وهو ما استدعى رداً دبلوماسياً من الخارجية المصرية لتوضيح موقفها.
مفهوم "الصبر الاستراتيجي" في الدبلوماسية المصرية
أوضح الوزير بدر عبد العاطي أن مصر، بوصفها "دولة كبيرة ومتحضرة تحترم التزاماتها"، لا تنجر وراء التصريحات المتشنجة أو الاستفزازات. ويشير مصطلح "الصبر الاستراتيجي" إلى سياسة مدروسة تهدف إلى تحقيق أهداف طويلة الأمد دون التورط في ردود فعل متسرعة قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب. هذا النهج يعني أن القاهرة تراقب التطورات عن كثب، وتقيّم مصالحها، وتختار التوقيت والأسلوب المناسبين للرد أو التحرك.
ويحمل هذا الموقف رسائل متعددة:
- رسالة إلى قوات الدعم السريع بأن عدم الرد الفوري لا يعني ضعفاً أو غياباً عن المشهد، بل هو قرار سياسي يهدف إلى تجنب تعقيد الأزمة.
- رسالة إلى الداخل المصري والمجتمع الدولي بأن السياسة الخارجية المصرية تتسم بالحكمة والمسؤولية وتغليب المصالح العليا للدولة.
- رسالة إلى الشعب السوداني بأن مصر حريصة على استقرار السودان كدولة موحدة، وتفضل دعم المسارات السياسية على الانخراط في سجالات إعلامية.
الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة لمصر
تعتبر الأزمة السودانية قضية أمن قومي من الدرجة الأولى بالنسبة لمصر لعدة أسباب جوهرية. يمثل السودان عمقاً استراتيجياً لمصر من الناحية الجنوبية، ويشترك البلدان في حدود طويلة، بالإضافة إلى كونهما دولتي مصب لنهر النيل، مما يجعل أمن واستقرار السودان مرتبطاً بشكل مباشر بالأمن المائي والمصالح الحيوية المصرية. منذ بداية الصراع، استقبلت مصر مئات الآلاف من الفارين من الحرب، وقادت جهوداً دبلوماسية إقليمية، أبرزها استضافة "قمة دول جوار السودان" بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق حوار سوداني-سوداني شامل.
تداعيات الموقف المصري
يعكس تصريح وزير الخارجية المصري استمرار القاهرة في سياستها القائمة على دعم الدولة ومؤسساتها الرسمية، مع الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة وتجنب القطيعة الكاملة مع الأطراف الأخرى. إن استخدام مصطلح "الصبر الاستراتيجي" يؤكد أن مصر لن تكون طرفاً في التصعيد الإعلامي، لكنها تحتفظ بحقها في حماية مصالحها القومية بكل الوسائل المتاحة في الوقت الذي تراه مناسباً. ويبقى الموقف المصري رهناً بتطورات الميدان والمسارات السياسية المعقدة للأزمة السودانية.





